فهو يشابهه ويقاربه، ووجه الشبه فيما نحن فيه هو الهيئات التي تقع عليها الحركة، لأنك إذا لاحظت بنظرك الصائب، ونظرت إلى القلم في يد الكاتب، وهو يحركها إلى جهة اليمين والشمال ملقيا لعابه، ولو أن كفه كف لسال مكرر الذهاب والإياب، مع الهز والحركة الغير المستقيمة والاضطراب، صادرا واردا في المحبرة، ساحبا على رياض الطرس أذيال إيراده المحبرة، وشاهدت الأفعى إذا انساب ووثب وذهب يسعى وأخرج لسانه ذا شعبتين مرجفا يروم لسعا متحركا بحركات متفاوتة مختلفة متخيلا كأنه جان بصفة بعد صفة، تتغير بها هيئته وأوضاعه، وتتجافى عن مضاجعه جنوبه وأضلاعه، وجدت هذه الهيئة مؤدية تلك الهيئة المذكورة وحاكية لها في حركاتها على تلك الصورة المسطورة، وكذلك الجواد إذا رأيته في جريه مسرعا، مكرا مفرا مقبلا مدبرا معا.
هذا، تم لا يخفاك ما في البيتين من الصناعات البديعة، فبين الرواقم والأراقم شبه الاشتقاق بين قطف الخطا ونيالة أقصى المدى صنعة الطباق، وكذلك بين السود والبيض والجد واللعب الجناس المحرف بين المدى والمدى وغير ذلك.
وبالجملة فمن تأمل ما في البيتين من حسن الصناعات علم أنه السحر الحلال، وتحقق أن مثل هذه العلامة من تخيل ثم خال، والحمد لله على كل حال.
وهذا آخر ما توخيناه من شرح أبيات الكشاف، وبيان مقاصدها على وجه شاق، بحيث يتيسر الوصول والدخول إلى تلك الأبيات من أسهل طريق.
ونسأل الله الهداية والعناية والتوفيق، وأن يجعل خواتيم أعمالنا توبة مقبولة، وقلوبنا بذكره تعالى عن كل ذكر مشغولة، وأن يمن علينا بحسن الختام، بحرمة نبيه سيدنا محمد خاتم الرسل الكرام، وعلى آله وأصحابه الفخام، والصلاة والسلام عليه وعليهم إلى قيام الساعة وساعة القيام، والحمد لله على الدوام.
قد تم بعون من عم خلقه بخفى الألطاف، طبع شرح شواهد الكشاف، المسمى - (بتنزيل الآيات من الآبيات) للعلامة محب الدين أفندي، رحمه الله المعيد المبدى.
(وكان طبعه الباهر، وتمثيله الزاهي الزاهر، بمطبعة مصطفى البابي الحلبي) رحمه الله، وحفظ عقباه من كل سوء ومكروه.
وصلى الله على خير الأنام وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، آمين.