وأقصى مفعوله، يقال أرض قاصية وقصية: أي بعيدة. والمدى آخر البيت الأول بالفتح: الغاية، وآخر البيت الثاني بالضم جمع مدية: وهى الشفرة. سود القوائم: هو كطويل النجاد، من باب: جرد قطيفة، والقوائم للدواب واحدتها قائمة. والجد في الأمر: الاجتهاد، يقال جد جدا من باب ضرب وقتل والاسم الجد بالكسر، ومنه يقال فلان محسن جدا: أي نهاية ومبالغة، وجد في كلامه من باب ضرب: خلاف هزل. والجد هنا يحتمل المعنيين، والمعنى الثاني مع كونه أبلغ لا يخلو من الموافقة لقصد رعاية المطابقة، وإسناد الجد إلى المسير من باب جد جده: أي ما تجد هي في مسيرها. واللعب معروف، وإسناده إلى بيض المدى في باب (جدارا يريد أن ينقص) والبيض جمع بيضاء، وهو من باب: جرد قطيفة، وأصل بيض بضم الباء، وإنما أبدلوا من الضمة كسرة لتصح الياء، ويقال ملاعب الأسنة وملاعب الرماح.
فإن قلت: الجري على القاعدة كما هو مقتضى الظاهر إرجاع ضمير سيرها إلى سود القوائم وذوات الحوافر، وهل يجوز أيضا أن يرجع الضمير إلى المضاف إليه وهو نفس القوائم. قلت ليس في ذلك أصل من جناح، فهو من قبيل الكاتب باليد والطائر بالجناح.
ثم لا يخفى أن تشبيه الأقلام بدواب في النفس استعارة بالكناية وإثبات الخطو لها استعارة تخييلة وذكر القطف ترشيح، كما أن تشبيهها بسود القوائم في النفس أيضا استعارة بالكناية وإثبات السير لها تخييلة وذكر الجد ترشيح.
فإن قلت: كيف شبه العلامة الناظم الأقلام أولا برقش الأراقم وثانيا بسود القوائم، وكيف وصفها أولا بقطف الخطا: وهو المشي على مهل بحيث هو مضمون، وقد يكون مع المستعجل الزلل * وثانيا بكونها نيالة أقصى المدى والسير على عجل كما يدل على ذلك صيغة المبالغة في الفعل والانفعال المعرب بذلك عن طول المضمار وبعد المقال بحيث إن كادت ولم تكد غارت ولو طار ذو حافر قبلها لطارت. قلت: أولا لا منافاة بين الحالتين بالنظر إلى اختلاف الأوقات، ولا تباين بين الهيئتين بملاحظة بعض الجهات، ولا منع من ذلك ولا امتناع، إذ مبنى الظروف المكانية والزمانية على الاتساع، فربما طال المضمار، واتسع الميدان، وتفاوت فيه السيران، وتباين الجريان، وتبين هناك المصلى من المبرز، وتميز السابق الذي هو لقصب السبق محرز، على أنه كم من ماشي على مهل وهو سابق من يجد في المسير على عجل، ويرحم الله الطغرائي حيث يقول:
تقدمتني أناس كان شو طهو * وراء خطوى لو أمشى على مهل وثانيا أن القائل العلامة مالك أزمة البلاغة وحائز قصب السبق الذي لا يبلغ فصيح بلاغة. ومن المقرر عند أرباب الفن أن من فضائل التشبيه أن يأتيك من الشئ الواحد بأشياء عدة مثل أن يعطيك من الزند بإيرائه شبه الجود أو الزكاء والنجح في الأمور وبإصلائه شبه البخيل والبليد والخيبة في السعي ومن الكمال عن النقصان كما قال أبو تمام:
إن الهلال إذا رأيت نموه * أيقنت أن سيصير بدرا كاملا وفى النقصان إلى الكمال كما قال أبو العلاء:
توقى البدور النقص وهى أهلة * ويدركها النقصان وهى كوامل هذا، ثم لا يخفاك أن التشبيه المذكور من قبيل تشبيه المركب المحسوس بالمركب المحسوس بلا خلاف، فهو كبيت بشار المتضمن تشبيه مثار النقع فوق الرؤوس مع الأسياف حيث شبه تلك الهيئة بالليل الذي تهاوى كواكبه