ثم خاطب الكفار الجاحدين بالله تعالى على وجه التبكيت لهم والتوبيخ (أأنتم أشد خلقا) ومعناه أأنتم أشد أمرا بصغر حالكم (أم السماء) في عظم جرمها وشأنها في وقوفها وسائر نجومها وأفلاكها. قال بعض النحويين (بناها) من صلة السماء.
والمعنى أم التي بناها. وقال آخرون (السماء) ليس مما يوصل، ولكن المعنى أأنتم أشد خلقا أم السماء أشد خلقا. ثم بين كيف خلقها فقال (بناها) والله تعالى لا يكبر عليه خلق شئ أشد من خلق غيره، وإنما أراد أنتم أشد خلقا عندكم وفى ظنكم مع صغركم أم السماء مع عظمها وشدة إحكامها؟ وبين انه تعالى بنى السماء و (رفع سمكها) يعني ارتفاعها، فالسمك مقابل للعمق، وهو ذهاب الجسم بالتأليف في جهة العلو، وبالعكس منه العمق. والطول ذهاب الجسم في جهة الطول. والعرض ذهابه في جهة العرض، وهو بالإضافة إلى ما يضاف إليه.
وقوله (فسواها) فالتسوية جعل أحد الشيئين على مقدار الاخر على نفسه أو في حكمه، وكل ما جعل في حقه على ترتيبه مع غيره فقد سوي، فلما كان كل شئ من السماء مجعولا في صفة على ترتيبه مع غيره كانت قد سويت على هذا الوجه.
وقوله (واغطش ليلها) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد:
معناه أظلم ليلها. وقال أبو عبيدة: كل أغطش لا يبصر. وقال: ليلها أضاف الظلام إلى السماء لان فيها ينشأ الظلام والضياء بغروب الشمس وطلوعها على ما دبرها الله.
وقوله (واخرج ضحاها) قال مجاهد والضحاك أخرج نورها.
وقوله (والأرض بعد ذلك دحاها) قال مجاهد والسدي: معناه دحاها مع ذلك، كما قال (عتل بعد ذلك) أي مع ذلك. وقال ابن عباس: ان الله دحا الأرض بعد السماء، وإن كانت الأرض خلقت قبل السماء، ومعنا دحاها بسطحها دحا يدحو دحوا ودحيت ادحي دحيا لغتان، قال أمية بن أبي الصلت: