موسى عليه السلام في الآية الكبرى، وهي المعجزة العظيمة، فما ازداد إلا غواية، لأنه لا يقاوم الضلال الحق.
وقوله (ثم ادبر يسعى، فالسعي الاسراع في المشي، وفي إدباره يسعى في هذه الحال دليل على خوفه. وقيل: إنه لما رأى العصا انقلبت حية في عظمها خاف منه، فادبر يسعى.
وقوله (فحشر فنادى) فالحشر الجمع من كل جهة، وقد يكون الجمع بضم جزء إلى جزء، فلا يكون حشرا، فإذا جمع الناس من كل جهة، فذلك الحشر، ولهذا سمى يوم الحشر. والحاشر الذي يجمع الناس من كل جهة إلى الخراج، وإنما طلب السحرة، فلما اجتمعوا ناداهم فقال لهم (أنا ربكم الاعلى) فالأعلى المختص بعلو معنى صفته على غيره مما لا يناله بكيد وينال هو به، ومن هنا خرج بالغلو إلى التعظيم، ولم يكن مثل ذلك في جهة من الجهات، وكأنه قال: أنا الذي أنال بالضرر من شئت ولا ينالني غيري. وكذب - لعنه الله - إنما هذه صفة الذي خلقه وخلق جميع الخلق، ومعنى (نادى) ههنا قال: يا معشر الناس أنا ربكم الاعلى، إذ نادى بهذا القول. وقيل: كلمته الأولى (ما علمت لكم من إله غيري) (1) وقوله الاخر هذا (أنا ربكم الاعلى) ذكره ابن عباس ومجاهد والشعبي والضحاك.
ثم حكى تعالى ما عامله به من العقاب فقال (فأخذه الله نكال الآخرة والأولى) فالنكال عقاب بنكل من الاقدام على سببه بشدته، نكل به تنكيلا إذا شوه به في عقابه بما يكون زاجرا لغيره عن مثل حذيه أشد الزجر الذي يزعج النفس. وقال الحسن وقتادة: معناه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. وقال مجاهد: أول عمله وآخره وقال بعضهم: نكاله فعلته الأولى، وهو قوله (ما علمت لكم من إله غيري)