وإنما اختار ذلك، لأنه جعله (منذرا) في الحال. ومن اضافه استخف ذلك كما استخف في قوله (عارضا مستقبل أوديتهم) (1) والتنوين مقدر، لان المعنى إنه منذر في الحال، وفيما بعد. ومن أضاف جعلها في موضع جر. والمنذر النبي صلى الله عليه وآله قال الله تعالى (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) (2) قال قوم: المنذر النبي صلى الله عليه وآله والهادي علي عليه السلام. وقيل (لكل قوم هاد) داع يدعوهم إلى الخلق.
يقول الله تعالى مهددا للمكلفين من خلقه (فإذا جاءت الطامة الكبرى) قال ابن عباس: الطامة القيامة. وقال الحسن: الطامة هي النفخة الثانية. وقيل: هي الصيحة التي تطم على كل شئ، وهي الصيحة التي يقع معها البعث والحساب والعقاب والثواب وقيل هي الطامة الغامرة الهائلة، وفى المثل: ما من طامة إلا وفوقها طامة قال الفراء: يقال: تطم على كل شئ يطم. وقال قوم: الطامة الغامرة، لما يتدفق بغلظها وكثرتها. وقيل: هي الغاشية المجللة التي تدفق الشئ بالغلظ، ثم بين متى مجيئها فقال (يوم يتذكر الانسان ما سعى) ومعناه تجيئ الطامة في يوم يتذكر الانسان ما عمله في دار التكليف من خير أو شر وسعى فيه، ويعلم ما يستحقه من ثواب وعقاب (وبرزت الجحيم لمن يرى) أي لمن يراها ويبصرها شاهدا، فالتبريز اظهار الشئ بمثل التكشيف الذي يقضي إليه بالاحساس، ويقال: فلان مبرز في الفضل إذا ظهر به أتم الظهور، وبارز قرنه أي ظهر إليه من بين الجماعة.
ثم قسم أحوال الخلق في ذلك اليوم من العصاة والمطيعين، فقال (فأما من طغى) بأن تجاوز الحد الذي حده الله، وارتكب المعاصي والطغيان والعصيان بمجاوزة الحد فيه إلى الافراط فيه، فكل كافر طاغ بافراطه في ظلم نفسه، وظلم النفس كظلم غيرها في التعاظم، وقوله (وآثر الحياة الدنيا) معناه اختار منافع الحياة الدنيا