بارتكاب المعاصي وترك ما وجب عليه، فالايثار إرادة الشئ على طريقة التفضيل له على غيره، ومثله الاختيار، لأنه يختاره على أنه خير من غيره، فمن آثر الأدنى على الأولى فهو منقوص بالحاجة، كما أن من آثر القبيح على الحسن كان منقوصا.
وقيل: المعنى من آثر نعيم الحياة الدنيا على نعيم الآخرة والحياة حياتان: حياة الدنيا وهي المنقطعة الفانية، وحياة الآخرة، وهي الدائمة، فمن آثر الباقي الدائم على الفاني المنقطع كان حسن الاختيار، ومن آثر الفاني على الباقي كان سيئ الاختيار مقبحا.
ثم بين تعالى ما له في الآخرة فقال (فان الجحيم هي المأوى) اي النار مثواه ومستقره وموضع مقامه.
ثم ذكر من هو بضد ذلك فقال (وأما من خاف مقام ربه) ومعناه من خاف مقام مسألة ربه عما يجب فعله أو تركه وعمل بموجب ذلك بأن فعل الطاعة وأمتنع من المعصية (ونهى نفسه عن الهوى) وما تدعو إليه شهواته، فالهوى أريحية في النفس تدعو إلى ما لا يجوز في العقل، فاتباع الهوى مذموم، وليس يجوز أن يعمل شيئا لداعي الهوى وإن عمل لداعي العقل على موافقة الهوى لم يضره. وقيل:
هم قوم صغرت الدنيا في عينهم حين رأوا الآخرة - ذكره قتادة - وقيل: الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة هو التمسك بطاعة الله واجتناب معصيته.
ثم بين تعالى ما له في مقابلة ذلك من الثواب فقال (فان الجنة هي المأوى) أي هي مقره ومأواه، فالألف واللام تعاقب الضمير كقولهم مررت بحسن الوجه أي حسن وجهه. وقال الزجاج: تقديره هي المأوى له ولا يكون بدلا من الهاء كما لا يكون بدلا من الكاف في قولك غض الطرف، وقال: وقال الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير * فلا سعدا بلغت ولا كلابا (1)