فإذا تأملت في هذه الأمثلة الواضحة التي سقناها وتمعنت بها جيدا آن أن نبين لك ما هو المراد بقولهم: إن العقل مقدم على النقل عند التعارض فنقول:
المراد من كون الدليل العقلي مقدم على الدليل الشرعي عند التعارض هو: أن العقل يدرك من نصوص الشرع المتواردة في قضية معينة أن هناك نصا من النصوص غير قطعية الدلالة أو غير قطعية الثبوت أن ظاهره الذي قد يتبادر إلى الذهن من أول وهلة غير مراد، كما في النصوص التي قدمناها لك قبل قليل، فإن ظاهر قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي " كنت رجله التي يمشي بها " غير مراد لأن العقل أدرك بأن ظاهر هذا النص غير مقصود ذلك لأن القاعدة الشرعية القطعية المستفادة من نصوص كثيرة محكمة في الكتاب والسنة تفيد تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات وعن الحلول فيها; والعقل أساس التكليف لأنه هو الذي يدرك معاني النصوص الشرعية وما هو المراد منها وبفقده يفقد التكليف، والله تعالى مدح العقل وبين لنا فضله وأنه هو آلة الاستنباط في نصوص كثيرة جدا في القرآن الكريم منه قوله تعالى * (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * ولولا العقل لكان الناس كالبهائم، قال الله تعالى:
* (إن شر الدراب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) * وكم آية قال تعالى فيها للناس * (إن في ذلك لايات لقوم يعقلون) * وذم سبحانه أناسا فقال فيهم: * (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) * وهم مع ذلك كانوا يسمعون ويرون، وقال عن آخرين وهم في غاية الخبث والتمرد * (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) * وقال سبحانه * (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) * والآيات في ذلك كثيرة جدا.