وقيل لحكيم لم لا تغتم؟ قال: لأني لم أتخذ ما، يغمني فقده.
وقال الشاعر:
فمن سره ألا يرى ما يسوءه * فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا.
وقال أصحاب هذا الشأن: القناعة من وجه صبر، ومن وجه جود، لان الجود ضربان: جود بما في يدك منتزعا، وجود عما في يد غيرك متورعا، وذلك أشرفهما، ولا يحصل الزهد في الحقيقة إلا لمن يعرف الدنيا ما هي، ويعرف عيوبها وآفاتها، ويعرف الآخرة وافتقاره إليها، ولا بد في ذلك من العلم، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون انه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون﴾ (١).
ولأن الزاهد في الدنيا راغب في الآخرة وهو يبيعها بها، كما قال الله تعالى: ﴿إن الله اشترى من المؤمنين...﴾ (2) الآية.
والكيس لا يبيع عينا بأثر، إلا إذا عرفهما وعرف فضل ما يبتاع على ما يبيع.