وللعرب في البقر خيال آخر، وذلك إنهم إذا أوردوها فلم ترد، ضربوا الثور ليقتحم الماء، فتقتحم البقر بعده، ويقولون: إن الجن تصد البقر عن الماء، وإن الشيطان يركب قرني الثور، وقال قائلهم:
إني وقتلى سليكا حين أعقله * كالثور يضرب لما عافت البقر (1) وقال نهشل بن حرى:
كذاك الثور يضرب بالهراوي * إذا ما عافت البقر الظماء.
وقال آخر:
كالثور يضرب للورود * إذا تمنعت البقر.
فإن كان ليس إلا هذا فليس ذاك بعجيب من البقر ولا بمذهب من مذاهب العرب:
لأنه قد يجوز أن تمتنع البقر من الورود حتى يرد الثور كما تمتنع الغنم من سلوك الطرق أو دخول الدور والأخبية حتى يتقدمها الكبش أو التيس، وكالنحل تتبع اليعسوب، والكراكي تتبع أميرها، ولكن الذي تدل عليه أشعارها أن الثور يرد ويشرب ولا يمتنع، ولكن البقر تمتنع وتعاف الماء وقد رأت الثور يشرب، فحينئذ يضرب الثور مع إجابته إلى الورود فتشرب البقر عند شربه، وهذا هو العجب، قال الشاعر:
فإني إذن كالثور يضرب جنبه * إذا لم يعف شربا وعافت صواحبه.
وقال آخر:
فلا تجعلوني كالبقير وفحلها * يكسر ضربا وهو للورد طائع وما ذنبه إن لم يرد بقراته * وقد فاجأتها عند ذاك الشرائع.