شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٩ - الصفحة ٣٨٢
لا يؤخذ بثأره، والصفر: ما كانت العرب تزعمه من الحية في البطن تعض عند الجوع.
[نكت في مذاهب العرب وتخيلاتها] وسنذكر هاهنا نكتا ممتعة من مذاهب العرب وتخيلاتها، لان الموضع قد ساقنا إليه، أنشد هشام بن الكلبي لأمية بن أبي الصلت:
سنة أزمة تبرح بالناس * ترى للعضاة فيها صريرا (1) لا على كوكب تنوء ولا ريح * جنوب ولا ترى طحرورا (2) ويسقون باقر السهل للطود * مهازيل خشية أن تبورا عاقدين النيران في ثكن * الأذناب منها لكي تهيج البحورا سلع ما ومثله عشر ما * عامل ما وعالت البيقورا.
يروى أن عيسى بن عمر قال: ما أدرى معنى هذا البيت! ويقال: أن الأصمعي صحف فيه، فقال: (وغالت البيقورا) بالغين المعجمة، وفسره غيره فقال: عالت بمعنى أثقلت البقر بما حملتها من السلع والعشر، والبيقور: البقر. وعائل: غالب، أو مثقل.
وكانت العرب إذا أجدبت وأمسكت السماء عنهم وأرادوا أن يستمطروا عمدوا إلى السلع والعشر فحزموهما وعقدوهما في أذناب البقر، وأضرموا فيها النيران، وأصعدوها في جبل وعر، وأتبعوها يدعون الله ويستسقونه، وإنما يضرمون النيران في أذناب البقر تفاؤلا للبرق بالنار، وكانوا يسوقونها نحو المغرب من دون الجهات، وقال أعرابي:
شفعنا ببيقور إلى هاطل الحيا * فلم يغن عنا ذاك بل زادنا جدبا فعدنا إلى رب الحيا فأجارنا * وصير جدب الأرض من عنده خصبا

(1) شعراء النصرانية 235، في وصف سنة ومجاعة.
(2) الطحرور: القطع من السحاب.
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»
الفهرست