فأما مذهبهم في البلية، وهي ناقة تعقل عند القبر حتى تموت، فمذهب مشهور، والبلية إنهم إذا مات منهم كريم بلوا ناقته أو بعيره، فعكسوا عنقها، وأداروا رأسها إلى مؤخرها، وتركوها في حفيرة لا تطعم ولا تسقى حتى تموت، وربما أحرقت بعد موتها، وربما سلخت وملئ جلدها ثماما. وكانوا يزعمون أن من مات ولم يبل عليه حشر ماشيا، ومن كانت له بلية حشر راكبا على بليته، قال جريبة (1) بن الأشيم الفقعسي لابنه:
يا سعد أما أهلكن فإنني * أوصيك أن أخا الوصاة الأقرب لا أعرفن أباك يحشر خلفكم * تعبا يجر على اليدين وينكب واحمل أباك على بعير صالح * وتق الخطيئة إنه هو أصوب ولعل لي مما جمعت مطية * في الحشر اركبها إذا قيل اركبوا.
وقال جريبة أيضا:
إذا مت فادفني بجداء ما بها * سوى الأصرخين أو يفوز راكب فإن أنت لم تعقر على مطيتي * فلا قام في مال لك الدهر جالب ولا تدفنني (1) في صوى وادفننني * بديمومة تنزو عليها الجنادب.
وقد ذكرت في مجموعي المسمى (بالعبقري الحسان) أن أبا عبد الله الحسين بن محمد بن جعفر الخالع رحمه الله ذكر في كتابه في آراء العرب وأديانها هذه الأبيات، واستشهد بها على ما كانوا يعتقدون في البلية، وقلت: إنه وهم في ذلك، وإنه ليس في هذه الأبيات دلالة على هذا المعنى، ولا لها به تعلق، وإنما هي وصية لولده أن يعقر مطيته بعد موته، أما لكيلا يركبها غيره بعده، أو على هيئة القربان كالهدي المعقور