فإن نتنها وكراهتها والتأذي بها عند الموت أشد، بل هذه الحال في الدنيا مشاهدة، فإن [من] (١) نهبت داره، وأخذ أهله وولده وماله، تكون مصيبته وألمه وتفجعه في الذي فقد بمقدار لذته به، وحبه له، وحرصه عليه، فكل ما كان في الوجود أشهى وألذ، فهو عند الفقد أدهى وأمر، ولا معنى للموت إلا فقد ما في الدنيا.
وقد روى أن النبي صلى الله عليه وآله قال للضحاك بن سفيان الكلابي: ألست تؤتى بطعامك وقد قزح و ملح (٢)، ثم تشرب عليه اللبن والماء! قال: بلى، قال، فإلى ماذا يصير؟ قال، إلى ما قد علمت يا رسول الله، قال، فإن الله عز وجل ضرب مثل الدنيا بما يصير إليه طعام ابن آدم.
وروى أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن أنت ضربت مثلا لابن آدم فانظر ما يخرج من ابن آدم، وإن كان قزحه وملحه إلى ماذا صار.
وقال الحسن رحمه الله قد رأيتهم يطيبونه بالطيب والأفاويه (٣) ثم يرمونه حيث رأيتم، قال الله عز وجل: ﴿فلينظر الانسان إلى طعامه﴾ (4)، قال ابن عباس إلى رجيعة. وقال رجل لابن عمر: إني أريد أن أسألك واستحيى، فقال: لا تستحي وسل، قال: إذا قضى أحدنا حاجته فقام، هل ينظر إلى ذلك منه؟ فقال: نعم، إن الملك يقول له انظر هذا ما بخلت به، انظر إلى ماذا صار!