فإن قلت: فهل يجوز أن يكون قوله: " وإن تغيرت " من جملة قوله فيما بعد " فإن الشقي " كما تقول إن خالفتني فإن الشقي من يخالف الحق.
قلت: نعم، والأول أحسن، لأنه أدخل في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام) كأنه يقول: " أنا أفي وإن كنت لا تفي، والايجاب يحسنه السلب الواقع في مقابلته:
* والضد يظهر حسنه الضد * ثم قال: " وإني لأعبد " أي آنف، من عبد بالكسر أي أنف، وفسروا قوله:
﴿فأنا أول العابدين﴾ (1) بذلك، يقول: إني لآنف من أن يقول غيري قولا باطلا، فكيف لا آنف أنا من ذلك لنفسي! ثم تختلف الروايات في اللفظة بعدها كما ذكرنا.
ثم قال: " فدع عنك ما لا تعرف " أي لا تبن أمرك إلا على اليقين والعلم القطعي، ولا تصغ إلى أقوال الوشاة ونقلة الحديث، فإن الكذب يخالط أقوالهم كثيرا، فلا تصدق ما عساه يبلغك عنى شرار الناس، فإنهم سراع إلى أقاويل السوء، ولقد أحسن القائل فيهم:
إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا * شرا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا ونحو قول الاخر:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا * وإن ذكرت بخير عندهم دفنوا (2)