لا لأنه غير مفهوم، بل لأنهم ما كانوا يتعاطون فهمه، إما إجلالا له أو لرسول الله أن يسألوه عنه، أو يجرونه مجرى الأسماء الشريفة التي إنما يراد منها بركتها لا الإحاطة بمعناها، فلذلك كثر الاختلاف في القرآن، وأيضا فإن ناسخه ومنسوخه أكثر من ناسخ السنة ومنسوخها، وقد كان في الصحابة من يسأل الرسول عن كلمة في القرآن يفسرها له تفسيرا موجزا، فلا يحصل له كل الفهم، لما أنزلت آية الكلالة (١) وقال في آخرها: ﴿يبين الله لكم أن تضلوا﴾ (٢)، سأله عمر عن الكلالة ما هو؟ فقال له: يكفيك آية الصيف، لم يزد على ذلك، فلم يراجعه عمر وانصرف، عنه، فلم يفهم مراده وبقى عمر على ذلك إلى أن مات، وكان يقول بعد ذلك: اللهم مهما بينت، فإن عمر لم يتبين، يشير إلى قوله: (يبين الله لكم أن تضلوا) وكانوا في السنة ومخاطبة الرسول على خلاف هذه القاعدة، فلذلك أوصاه على (عليه السلام) أن يحاجهم بالسنة لا بالقرآن.
فإن قلت: فهل حاجهم بوصيته؟
قلت: لا بل حاجهم بالقرآن، مثل قوله: ﴿فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها﴾ ﴿٣) ومثل قوله في صيد المحرم: يحكم به ذوا عدل منكم﴾ (4)، ولذلك لم يرجعوا والتحمت الحرب، وإنما رجع باحتجاجه نفر منهم.
فإن قلت: فما هي السنة التي أمره أن يحاجهم بها؟
قلت: كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك غرض صحيح، وإليه أشار، وحوله كان يطوف ويحوم، وذلك أنه أراد أن يقول لهم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
" على مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار "، وقوله: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله "، ونحو ذلك من الاخبار التي