شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٨ - الصفحة ٧٢
لا لأنه غير مفهوم، بل لأنهم ما كانوا يتعاطون فهمه، إما إجلالا له أو لرسول الله أن يسألوه عنه، أو يجرونه مجرى الأسماء الشريفة التي إنما يراد منها بركتها لا الإحاطة بمعناها، فلذلك كثر الاختلاف في القرآن، وأيضا فإن ناسخه ومنسوخه أكثر من ناسخ السنة ومنسوخها، وقد كان في الصحابة من يسأل الرسول عن كلمة في القرآن يفسرها له تفسيرا موجزا، فلا يحصل له كل الفهم، لما أنزلت آية الكلالة (١) وقال في آخرها: ﴿يبين الله لكم أن تضلوا﴾ (٢)، سأله عمر عن الكلالة ما هو؟ فقال له: يكفيك آية الصيف، لم يزد على ذلك، فلم يراجعه عمر وانصرف، عنه، فلم يفهم مراده وبقى عمر على ذلك إلى أن مات، وكان يقول بعد ذلك: اللهم مهما بينت، فإن عمر لم يتبين، يشير إلى قوله: (يبين الله لكم أن تضلوا) وكانوا في السنة ومخاطبة الرسول على خلاف هذه القاعدة، فلذلك أوصاه على (عليه السلام) أن يحاجهم بالسنة لا بالقرآن.
فإن قلت: فهل حاجهم بوصيته؟
قلت: لا بل حاجهم بالقرآن، مثل قوله: ﴿فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها﴾ ﴿٣) ومثل قوله في صيد المحرم: يحكم به ذوا عدل منكم﴾ (4)، ولذلك لم يرجعوا والتحمت الحرب، وإنما رجع باحتجاجه نفر منهم.
فإن قلت: فما هي السنة التي أمره أن يحاجهم بها؟
قلت: كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك غرض صحيح، وإليه أشار، وحوله كان يطوف ويحوم، وذلك أنه أراد أن يقول لهم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
" على مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار "، وقوله: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله "، ونحو ذلك من الاخبار التي

(١) يريد قوله تعالى في آخر آية من سورة النساء: " يسألونك عن الكلالة " الخ.
(٢) سورة النساء ١٢.
(٣) سورة النساء ٣٥.
(٤) سورة المائدة ٦٥.
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة 7
2 65 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 22
3 66 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى عبد الله بن العباس 28
4 67 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة 30
5 68 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى سلمان الفارسي قبل أيام خلافته 34
6 سلمان الفارسي وخبر إسلامه 34
7 69 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى الحارث الهمداني 41
8 الحارث الأعور ونسبه 42
9 نبذ من الأقوال الحكيمة 43
10 70 - من كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف وهو عامله على المدينة 52
11 71 - من كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود 54
12 ذكر المنذر وأبيه الجارود 55
13 72 - من كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس 60
14 73 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 62
15 74 - من حلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن 66
16 75 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلاف 68
17 76 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة 70
18 77 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس أيضا لما بعثه للاحتجاج على الخوارج 71
19 78 - من كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه 74
20 79 - من كتاب له عليه السلام لما استخلف إلى أمراء الأجناد حكمه عليه السلام ومواعظه، ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله وكلامه 77
21 القصير في سائر أغراضه 82
22 نبذ مما قيل في الشيب والخضاب 123
23 نبذ مما قيل في المروءة 128
24 نبذ وحكايات مما وقع بين يدي الملوك 143
25 في مجلس قتيبة بن مسلم الباهلي 152
26 أقوال وحكايات حول الحمقى والمغفلين 159
27 خباب بن الأرت 171
28 محمد بن جعفر والمنصور 206
29 محنة ابن المقنع 269
30 فصل في نسب بني مخزوم وطرف من أخبارهم 285
31 نوادر المكثرين من الأكل 397
32 سعة الصدر وما ورد في ذلك من حكايات 407