قلت: قد قيل: إن النبي (صلى الله عليه وآله) فوض إليه أمر نسائه بعد موته، وجعل إليه أن يقطع عصمة أيتهن شاء إذا رأى ذلك، وله من الصحابة جماعة يشهدون له بذلك، فقد كان قادرا على أن يقطع عصمة أم حبيبة، ويبيح نكاحها الرجال عقوبة لها ولمعاوية أخيها فإنها كانت تبغض عليا كما يبغضه أخوها، ولو فعل ذلك لانتهس لحمه، وهذا قول الإمامية، وقد رووا عن رجالهم أنه (عليه السلام) تهدد عائشة بضرب من ذلك، وأما نحن فلا نصدق هذا الخبر، ونفسر كلامه على معنى آخر، وهو أنه قد كان معه من الصحابة قوم كثيرون سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلعن معاوية بعد إسلامه، ويقول: إنه منافق كافر، وإنه من أهل النار، والاخبار في ذلك مشهورة، فلو شاء أن يحمل إلى أهل الشام خطوطهم وشهاداتهم بذلك، ويسمعهم قولهم ملافظة ومشافهة لفعل، ولكنه رأى العدول عن ذلك، مصلحة لأمر يعلمه هو (عليه السلام)، ولو فعل ذلك لانتهس لحمه، وإنما أبقى عليه.
وقلت لأبي زيد البصري: لم أبقى عليه؟ فقال: والله ما أبقى عليه مراعاة له، ولا رفقا به، ولكنه خاف أن يفعل كفعله، فيقول لعمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وبسر بن أبي أرطاة وأبى الأعور وأمثالهم: ارووا أنتم عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عليا (عليه السلام) منافق من أهل النار، ثم يحمل ذلك إلى أهل العراق، فلهذا السبب أبقى عليه.