ومنها قوله: واصفح مع الدولة تكن لك العاقبة "، هذه كانت شيمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وشيمة على (عليه السلام)، أما شيمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فظفر بمشركي مكة وعفا عنهم، كما سبق القول فيه في عام الفتح، وأما على (عليه السلام) فظفر بأصحاب الجمل وقد شقوا عصا الاسلام عليه، وطعنوا فيه وفى خلافته، فعفا عنهم، مع علمه بأنهم يفسدون عليه أمره فيما بعد، ويصيرون إلى معاوية، إما بأنفسهم أو بآرائهم ومكتوباتهم، وهذا أعظم من الصفح عن أهل مكة، لان أهل مكة لم يبق لهم لما فتحت فئة يتحيزون إليها، ويفسدون الدين عندها.
ومنها قوله: " واستصلح كل نعمة أنعمها الله عليك " معنى استصلحها استدمها، لأنه إذا استدامها فقد أصلحها، فإن بقاءها صلاح لها، واستدامتها بالشكر.
ومنها قوله: ولا تضيعن نعمة من نعم الله عندك "، أي واس الناس منها، وأحسن إليهم، و أجعل بعضها لنفسك وبعضها للصدقة والايثار، فإنك إن لم تفعل ذلك تكن قد أضعتها.
ومنها قوله: " ولير عليك أثر النعمة قد أمر بأن يظهر الانسان على نفسه آثار نعمة الله عليه، وقال سبحانه: ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾ (1) وقال الرشيد لجعفر: قم بنا لنمضي إلى منزل الأصمعي، فمضيا إليه خفية ومعهما خادم معه ألف دينار ليدفع ذلك إليه، فدخلا داره فوجدا كساء جرداء، وبارية (2) سملاء، وحصيرا مقطوعا، وخباء قديمة، وأباريق من خزف، ودواة من زجاج، ودفاتر عليها التراب وحيطانا مملوءة من نسج العناكب، فوجم الرشيد، وسأله مسائل غثة لم تكن من غرضه، وإنما قطع بها خجله، وقال الرشيد لجعفر: ألا ترى إلى نفس هذا المهين، قد بررناه بأكثر