فذمها رجال غداة الندامة، وحمدها آخرون يوم القيامة، ذكرتهم الدنيا فذكروا، وحدثتهم فصدقوا، ووعظتهم فاتعظوا * * * الشرح:
تجرمت على فلان: ادعيت عليه جرما وذنبا، واستهواه كذا استزله.
وقوله (عليه السلام): " فمثلت لهم ببلائها البلاء "، أي بلاء الآخرة وعذاب جهنم، وشوقتهم بسرورها إلى السرور أي إلى سرور الآخرة ونعيم الجنة.
وهذا الفصل كله لمدح الدنيا، وهو ينبئ عن اقتداره (عليه السلام) على ما يريد من المعاني، لان كلامه كله في ذم الدنيا، وهو الان يمدحها، وهو صادق في ذاك وفى هذا، وقد جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) كلام يتضمن مدح الدنيا أو قريبا من المدح، وهو قوله (عليه السلام): " الدنيا حلوة خضرة، فمن أخذها بحقها بورك له فيها ".
واحتذى عبد الله بن المعتز (1) حذو أمير المؤمنين (عليه السلام) في مدح الدنيا فقال في كلام له: الدنيا دار التأديب (2) والتعريف، التي بمكروهها توصل إلى محبوب الآخرة، ومضمار الأعمال السابقة بأصحابها إلى الجنان، ودرجة الفوز التي يرتقى عليها المتقون إلى دار الخلد، وهي الواعظة لمن عقل، والناصحة لمن قبل، وبساط المهل، وميدان العمل، وقاصمة الجبارين، وملحقة الرغم معاطس المتكبرين، وكاسية التراب أبدان المختالين، وصارعة المغترين، ومفرقة أموال الباخلين، وقاتلة القاتلين والعادلة بالموت على جميع العالمين، وناصرة المؤمنين، ومبيرة الكافرين. الحسنات فيها مضاعفة، والسيئات بآلامها ممحوة، ومع عسرها يسران، والله تعالى قد ضمن أرزاق أهلها، وأقسم في كتابه بما فيها، ورب طيبة