شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٨ - الصفحة ٢٦٣
وعليك ثياب أهل النار! إن أحدكم ليجعل الزهد في ثيابه والكبر في صدره، فلهو أشد عجبا بصوفه من صاحب المطرف.
وقال ابن السماك لأصحاب الصوف: إن كان لباسكم هذا موافقا لسرائركم فلقد أحببتم أن يطلع الناس عليها، ولئن كان مخالفا لها لقد هلكتم.
وكان عمر بن عبد العزيز على قاعدة عمر بن الخطاب في ملبوسه، وكان قبل الخلافة يلبس الثياب المثمنة جدا، كان يقول: لقد خفت أن يعجز ما قسم الله لي من الرزق عما أريده من الكسوة وما لبست ثوبا جديدا قط إلا وخيل لي حين يراه الناس أنه سمل أو بال، فلما ولى الخلافة ترك ذلك كله.
وروى سعيد بن سويد، قال: صلى بنا عمر بن عبد العزيز الجمعة، ثم جلس وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه فقال له رجل: إن الله أعطاك يا أمير المؤمنين، فلو لبست فنكس مليا ثم رفع رأسه فقال: إن أفضل القصد ما كان عند الجدة، وأفضل العفو ما كان عند المقدرة.
وروى عاصم بن معدلة: كنت أرى عمر بن عبد العزيز قبل الخلافة فأعجب من حسن لونه وجوده ثيابه وبزته، ثم دخلت عليه بعد أن ولى، وإذا هو قد احترق واسود ولصق جلده بعظمة، حتى أو ليس بين الجلد والعظم لحم، وإذا عليه قلنسوة بيضاء قد اجتمع قطنها ويعلم أنها قد غسلت، وعليه سحق (1) أنبجانية قد خرج سداها، وهو على شاذ كونه (2)، قد لصقت بالأرض تحت الشاذ كونه عباءة قطوانية (3) من مشاقة الصوف، وعنده رجل يتكلم، فرفع صوته، فقال له عمر: اخفض قليلا من صوتك، فإنما يكفي الرجل من الكلام قدر ما يسمع صاحبه.
وروى عبيد بن يعقوب أن عمر بن عبد العزيز كان يلبس الفرو الغليظ من الثياب، وكان سراجه على ثلاث قصبات فوقهن طين.

(1) جمع سحق، وهو الثوب البالي.
(2) الشاذكونة: ثياب غلاظ تعمل باليمن.
(3) قطوانية: منسوبة إلى قطوان، موضع بالكوفة.
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة 7
2 65 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 22
3 66 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى عبد الله بن العباس 28
4 67 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة 30
5 68 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى سلمان الفارسي قبل أيام خلافته 34
6 سلمان الفارسي وخبر إسلامه 34
7 69 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى الحارث الهمداني 41
8 الحارث الأعور ونسبه 42
9 نبذ من الأقوال الحكيمة 43
10 70 - من كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف وهو عامله على المدينة 52
11 71 - من كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود 54
12 ذكر المنذر وأبيه الجارود 55
13 72 - من كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس 60
14 73 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 62
15 74 - من حلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن 66
16 75 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلاف 68
17 76 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة 70
18 77 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس أيضا لما بعثه للاحتجاج على الخوارج 71
19 78 - من كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه 74
20 79 - من كتاب له عليه السلام لما استخلف إلى أمراء الأجناد حكمه عليه السلام ومواعظه، ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله وكلامه 77
21 القصير في سائر أغراضه 82
22 نبذ مما قيل في الشيب والخضاب 123
23 نبذ مما قيل في المروءة 128
24 نبذ وحكايات مما وقع بين يدي الملوك 143
25 في مجلس قتيبة بن مسلم الباهلي 152
26 أقوال وحكايات حول الحمقى والمغفلين 159
27 خباب بن الأرت 171
28 محمد بن جعفر والمنصور 206
29 محنة ابن المقنع 269
30 فصل في نسب بني مخزوم وطرف من أخبارهم 285
31 نوادر المكثرين من الأكل 397
32 سعة الصدر وما ورد في ذلك من حكايات 407