شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٨ - الصفحة ١٩٥
(٥٧) الأصل:
من حذرك، كمن بشرك.
* * * الشرح:
هذا مثل قولهم: اتبع أمر مبكياتك، لا أمر مضحكاتك (١). ومثلة: صديقك من نهاك، لا من أغراك ومثله: رحم الله أمرا أهدى إلى عيوبي.
والتحذير هو النصح، والنصح واجب، وهو تعريف الانسان ما فيه صلاحه، ودفع المضرة عنه، وقد جاء في الخبر الصحيح: " الدين النصيحة "، فقيل: يا رسول الله، لمن؟
فقال: " لعامة المسلمين "، وأول ما يجب على الانسان أن يحذر نفسه وينصحها، فمن غش نفسة فقلما يحذر غيرة وينصحه، وحق من استنصح أن يبذل غاية النصح ولو كان في أمر يضره، وإلى ذلك وقعت الإشارة في الكتاب العزيز بقولة سبحانه: ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم﴾ (٢)، وقال سبحانه: ﴿وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى﴾ (3).
ومعنى قوله (عليه السلام) كمن بشرك " أي ينبغي لك أن تسر بتحذيره لك، كما تسر لو بشرك بأمر تحبه، وأن تشكره على ذلك كما تشكره لو بشرك بأمر تحبه، لأنه لو لم يكن يريد بك الخير لما حذرك من الوقوع في الشر.

(١) الميداني ١: ٣٠، ولفظه هناك: " أسر مبكياتك لا أمر مضحكاتك ".
(٢) سورة النساء ١٣٥.
(٣) سورة الأنعام ١٥٢.
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»
الفهرست