قال أبو العباس: وقال أبو عبد الله: العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، ولا يسأل من يخاف منعه، ولا يثق بمن يخاف عذره، ولا يرجو من لا يوثق برجائه.
قال أبو العباس: وروى عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كان موسى (عليه السلام) يدنى رجلا من بني إسرائيل لطول سجوده، وطول صمته، فلا يكاد يذهب إلى موضع إلا وهو معه، فبينا هو يوما من الأيام إذ مر على أرض معشبة تهتز، فتأوه الرجل، فقال له موسى: على ماذا تأوهت؟ قال: تمنيت أن يكون لربي حمار وأرعاه (1) هاهنا، فأكب موسى طويلا ببصره إلى الأرض اغتماما بما سمع منه، فانحط عليه الوحي، فقال: ما الذي أنكرت من مقالة عبدي! إنما آخذ عبادي على قدر ما آتيتهم.
قال أبو العباس: وروى عن علي (عليه السلام): هبط جبرائيل (عليه السلام) على آدم (عليه السلام) بثلاث ليختار منها واحدة ويدع اثنتين، وهي: العقل، والحياء، والدين، فاختار العقل، فقال جبرائيل للحياء، والدين: انصرفا، فقالا: إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان، فقال: فشأنكما! ففاز بالثلاث.
* * * فأما قولة (عليه السلام): " ولا ميراث كالأدب " فإني قرأت في حكم الفرس عن بزرجمهر: ما ورثت الاباء أبناءها شيئا أفضل من الأدب، لأنها إذا ورثتها الأدب اكتسب بالأدب المال، فإذا ورثتها المال بلا أدب أتلفته بالجهل، وقعدت صفرا من المال والأدب.
قال بعض الحكماء: من أدب ولده صغيرا، سربه كبيرا.
وكان يقال: من أدب ولده أرغم حاسده.
وكان يقال: ثلاثة لا غربة معهن: مجانبة الريب، وحسن الأدب، وكف الأذى.