على أجمل وجه وأعلى ترتيب، ولكنه كان يقصد أن يتغافل ويتجاهل ويظهر البله والنقص، يستبقى بذلك ماله، ويحرس به نعمته، ويدفع عنة عين الكمال، وحسد الأعداء.
قال أبو حيان: قلت لأبي غسان البصري: أظن ما قالة هؤلاء صحيحا، فإن المعتضد مع حزمه وعقله وكماله وإصابة رأيه ما اختاره للسفارة والصلح إلا والمرجو منه فيما يأتيه ويستقبله من أيامه نظير ما قد شوهد منة فيما مضى من زمانه، وهل كان يجوز أن يصلح أمر قد تفاقم فساده وتعاظم واشتد برسالة أحمق، وسفارة أخرق فقال أبو غسان: إن الجد ينسخ حال الأخرق، ويستر عيب الأحمق، ويذب عن عرض المتلطخ، ويقرب الصواب بمنطقه والصحة برأيه، والنجاح بسعيه، والجد يستخدم العقلاء لصاحبه، ويستعمل آراءهم وأفكارهم في مطالبه، وابن الجصاص على ما قيل وروى وحدث وحكى، ولكن جده كفاه غائلة الحمق، وحماه عواقب الخرق ولو عرفت خبط العاقل وتعسفه وسوء تأتيه وانقطاعه إذا فارقه الجد، لعلمت أن الجاهل قد يصيب بجهله ما لا يصيب العالم بعلمه مع حرمانه.
قال أبو حيان: فقلت له: فما الجد؟ وما هذا المعنى الذي علقت عليه هذه الأحكام (1) كلها؟ فقال: أو ليس لي عنه عبارة معينة، ولكن لي به علم شاف، استفدته بالاعتبار والتجربة والسماع العريض من الصغير والكبير، ولهذا (2) سمع من امرأة من الاعراب ترقص ابنا لها فتقول له: رزقك الله جدا يخدمك عليه ذوو العقول، ولا رزقك عقلا تخدم به ذوي الجدود