فشبه عليه السلام بالنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالذراع الذي العضد أصله وأسه والمراد من هذا التشبيه الإبانة عن شدة الامتزاج والاتحاد والقرب بينهما. فإن الضوء الثاني شبيه بالضوء الأول والذراع متصل بالعضد اتصالا بينا. وهذه المنزلة قد أعطاه إياها رسول الله صلى الله عليه وآله في مقامات كثيرة نحو قوله في قصة براءة: (قد أمرت أن لا يؤدى عنى إلا أنا أو رجل منى) وقوله: (لتنتهن يا بنى وليعة أو لأبعثن إليكم رجلا منى) أو قال: (عديل نفسي) وقد سماه الكتاب العزيز (نفسه) فقال: ﴿ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم﴾ (1) وقد قال له: (لحمك مختلط بلحمي ودمك مسوط بدمي وشبرك وشبري واحد).
فإن قلت: أما قوله: (لو تظاهرت العرب على لما وليت عنها) فمعلوم فما الفائدة في قوله: (ولو أمكنت الفرصة من رقابها لسارعت (2) إليها)؟ وهل هذا مما يفخر به الرؤساء ويعدونه منقبة وإنما المنقبة أن لو أمكنته الفرصة تجاوز وعفا!
قلت: غرضه أن يقرر في نفوس أصحابه وغيرهم من العرب أنه يحارب على حق وأن حربه لأهل الشام كالجهاد أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وأن من يجاهد الكفار يجب عليه أن يغلظ عليهم ويستأصل شأفتهم ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما جاهد بني قريظة وظفر لم يبق ولم يعف وحصد في يوم واحد رقاب ألف انسان صبرا في مقام واحد لما علم في ذلك من إعزاز الدين وإذلال المشركين فالعفو له مقام والانتقام له مقام.
قوله: (وسأجهد في أن أطهر الأرض) الإشارة في هذا إلى معاوية سماه شخصا معكوسا وجسما مركوسا والمراد انعكاس عقيدته وأنها ليست عقيدة هدى بل هي معاكسة للحق والصواب وسماه مركوسا من قولهم: ارتكس في الضلال والركس