وقد خطر لي فيه معنى آخر، وهو أن صاحب المال الحرام إنما يصرفه في أكثر الأحوال وأغلبها في الفساد وارتكاب المحظور كما قال (من اكتسب مالا من نهاوش أذهبه الله في نهابر) (1) فإذا اخذه الفقير منه على وجه الصدقة فقد فوت عليه صرفه في تلك القبائح والمحضورات التي كان بعرضته صرف ذلك القدر فيها لو لم يأخذه الفقير، فإذا قد أحسن الفقير إليه بكفه عن ارتكاب القبيح، ومن العصمة الا يقدر فكان المعطى أعظم أجرا من المعطى.
قوله عليه السلام (ذاك حيث تسكرون من غير شراب بل من النعمة)، بفتح النون، وهي غضارة العيش، وقد قيل في المثل سكر الهوى أشد من سكر الخمر.
قال (تحلفون من غير اضطرار); أي تتهاونون باليمين وبذكر الله عز وجل.
قال (وتكذبون من غير إحراج)، أي يصير الكذب لكم عادة ودربه، لا تفعلونه لان آخر منكم قد أحرجكم وأضطركم بالغيظ إلى الحلف. وروى من غير (إحواج) بالواو، أي من غير أن يحوجكم إليه أحد.
قال ذلك إذا عضكم البلاء كما يعض القتب غارب البعير. هذا الكلام غير متصل بما قبله، وهذه عادة الرضى رحمه الله يلتقط الكلام التقاطا، ولا يتلو بعضه بعضا، وقد ذكرنا هذه الخطبة أو أكثرها فيما تقدم من الاجزاء الأول، وقبل هذا الكلام ذكر ما يناله شيعته من البؤس والقنوط ومشقة انتظار الفرج.
قوله عليه السلام (ما أطول هذا العناء، وابعد هذا الرجاء) هذا حكاية كلام شيعته وأصحابه.