ولا حاجة به سبحانه إلى حروف وأدوات، كما نحتاج نحن إلى ذلك، لأنا احياء بحياة تحلنا، والباري تعالى حي لذاته، فلما افترقنا فيما به كان سامعا ومبصرا، افترقنا في الحاجة إلى الأدوات والجوارح.
وثاني عشرها: انه يقول ولا يتلفظ، هذا بحث لفظي، وذلك لأنه قد ورد السمع بتسميته قائلا، وقد تكرر في الكتاب العزيز ذكر هذه اللفظة، نحو قوله ﴿وإذ قال الله يا عيسى﴾ (١) ﴿وقال الله انى معكم﴾ (٢)، ولم يرد في السمع اطلاق كونه متلفظا عليه، وفي اطلاقه إيهام كونه ذا جارحة، فوجب الاقتصار على ما ورد، وترك ما لم يرد.
وثالث عشرها: انه تعالى يحفظ ولا يتحفظ; اما كونه يحفظ فيطلق على وجهين:
أحدهما انه يحفظ بمعنى انه يحصى اعمال عباده ويعلمها، والثاني كونه يحفظهم ويحرسهم من الآفات والدواهي. واما كونه لا يتحفظ فيحتمل معنيين. أحدهما انه لا يجوز أن يطلق عليه انه يتحفظ الكلام، أي يتكلف كونه حافظا له، ومحيطا وعالما به، كالواحد منا يتحفظ الدرس ليحفظه، فهو سبحانه حافظ غير متحفظ والثاني انه ليس بمتحرز ولا مشفق على نفسه خوفا أن تبدر إليه بادرة من غيره.
ورابع عشرها: انه يريد ولا يضمر، اما كونه مريدا فقد ثبت بالسمع نحو قوله تعالى ﴿يريد الله بكم اليسر﴾ (3)، وبالعقل لاختصاص أفعاله بأوقات مخصوصة، وكيفيات مخصوصة، جاز أن تقع على خلافها، فلا بد من مخصص لها بما اختصت به; وذلك كونه مريدا، واما كونه لا يضمر فهو اطلاق لفظي لم يأذن فيه الشرع، وفيه إيهام كونه ذا قلب، لان الضمير في العرف اللغوي ما استكن في القلب، والباري ليس بجسم.