بذاتها، خارجة عن الفلك في الجهة العليا، بينها وبين الفلك بعد، اما غير متناه - على ما يحكى عن ابن الهيصم - أو متناه على ما يذهب إليه أصحابه; وذلك أن هذه القضية وهي قولنا الباري خارج عن الموجودات كلها على هذا التفسير ليست مناقضة للقضية الأولى، وهي قولنا الباري داخل العالم، ليكون القول بخلوه عنهما قولا بخلوه عن النقيضين، الا ترى انه يجوز أن تكون القضيتان كاذبتين معا، بالا يكون الفلك المحيط محتويا عليه، ولا يكون حاصلا في جهة خارج الفلك، ولو كانت القضيتان متناقضتين لما استقام ذلك، وهذا كما تقول زيد في الدار زيد في المسجد، فان هاتين القضيتين ليستا متناقضتين، لجواز الا يكون زيد في الدار، ولا في المسجد، فان هاتين لو تناقضتا لاستحال الخروج عن النقيضين، لكن المتناقض (زيد في الدار، زيد ليس في الدار)، والذي يستشنعه العوام من قولنا (الباري لا داخل العالم ولا خارج العالم) غلط مبنى على اعتقادهم وتصورهم أن القضيتين تتناقضان، وإذا فهم ما ذكرناه بان انه ليس هذا القول بشنيع; بل هو سهل وحق، أيضا فإنه تعالى لا متحيز ولا حال في المتحيز، وما كان كذلك استحال أن يحصل في جهة; لا داخل العالم ولا خارج العالم، و قد ثبت كونه غير متحيز ولا حال في المتحيز، من حيث كان واجب الوجود، فأذن القول بأنه ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج صواب وحق.
وعاشرها: انه تعالى يخبر بلا لسان ولهوات; وذلك لان كونه تعالى مخبرا هو كونه فاعلا للخبر، كما إن كونه ضاربا هو كونه فاعلا للضرب، فكما لا يحتاج في كونه ضاربا إلى أداة وجارحة يضرب بها كذلك لا يحتاج في كونه مخبرا إلى لسان ولهوات يخبر بها.
وحادي عشرها: انه تعالى يسمع بلا حروف وأدوات، وذلك لان الباري سبحانه حي لا آفة به; وكل حي لا آفة به; فواجب أن يسمع المسموعات، ويبصر المبصرات،