كونه سوادا غير مختلف، وكذلك البياض فصارت الدلالة هكذا الذوات التي عندنا يشبه بعضها بعضا، وهي محدثة; فلو كان الباري سبحانه يشبه شيئا منها لكان مثلها، ولكان محدثا لان حكم الشئ حكم مثله، لكنه تعالى ليس بمحدث، فليس بمشابه لشئ، منها فقد صح إذا قوله عليه السلام (وباشتباههم على أن لا شبه له).
قوله عليه السلام (الذي صدق في ميعاده)، لا يجوز الا يصدق، لان الكذب قبيح عقلا، والباري تعالى يستحيل منه من جهة الداعي والصارف أن يفعل القبيح.
قوله عليه السلام (وارتفع عن ظلم عباده)، هذا هو مذهب أصحابنا المعتزلة، وعن أمير المؤمنين عليه السلام أخذوه; وهو أستاذهم وشيخهم في العدل والتوحيد، فاما الأشعرية، فإنها وان كانت تمتنع عن اطلاق القول بان الله تعالى يظلم العباد الا انها تعطى المعنى في الحقيقة، لان الله عندهم يكلف العباد ما لا يطيقونه، بل هو سبحانه عندهم لا يكلفهم الا ما لا يطيقونه، بل هو سبحانه عندهم لا يقدر على يكلفهم ما يطيقونه، وذلك لان القدرة عندهم مع الفعل، فالقاعد غير قادر على القيام، وإنما يكون قادرا على القيام عند حصول القيام، ويستحيل عندهم أن يوصف الباري تعالى بإقدار العبد القاعد على القيام، وهو مع ذلك مكلف له أن يقوم، وهذا غاية ما يكون من الظلم سواء أطلقوا هذه اللفظة عليه أو لم يطلقوها.
ثم أعاد الكلام الأول في التوحيد تأكيدا، فقال حدوث الأشياء دليل على قدمه، وكونها عاجزة عن كثير من الافعال دليل على قدرته، وكونها فانية دليل على بقائه.
فان قلت اما الاستدلال بحدوث الأشياء على قدمه فمعلوم، فكيف يكون الاستدلال على الامرين الأخيرين