بطن الأرض فتخرجها إلى ظهرها لتنثرها (1) وتعيد إليها جفوفها، ويمر بها النسيم فينفي عنها اللخن والفساد.
ثم ربما - بل في الأكثر - تختار ذلك العمل ليلا، لان ذلك أخفى، وفى القمر لأنها فيه أبصر، فإن كان مكانها نديا وخافت أن تنبت الحبة نقرت موضع القطمير (2) من وسطها; لعلمها انها من ذلك الموضع تنبت، وربما فلقت الحبة نصفين. فاما إن كان الحب من حب الكزبرة فإنها تفلقه أرباعا، لان انصاف حب الكزبرة تنبت من بين جميع الحبوب، فهي من هذا الوجه مجاوزة لفطنة جميع الحيوانات، حتى ربما كانت في ذلك أحزم من كثير من الناس، ولها مع لطافة شخصها وخفة وزنها في الشم والاسترواح ما ليس لشئ، فربما اكل الانسان الجراد أو بعض ما يشبه الجراد، فيسقط من يده الواحدة أو صدر واحدة، وليس بقربه ذرة ولا له عهد بالذر في ذلك المنزل، فلا يلبث أن تقبل ذرة قاصدة إلى تلك الجرادة، فترومها وتحاول نقلها وجرها إلى جحرها، فإذا أعجزتها بعد أن تبلى عذرا مضت إلى جحرها راجعه، فلا يلبث ذلك الانسان أن يجدها قد أقبلت وخلفها كالخيط الأسود الممدود، حتى يتعاون عليها فيحملنها. فأعجب من صدق الشم لما لا يشمه الانسان الجائع ثم انظر إلى بعد الهمة والجرأة على محاولة نقل شئ في وزن جسمها مائة مرة، وأكثر من مائة مرة، بل اضعاف اضعاف المائة، وليس شئ من الحيوان يحمل ما يكون اضعاف وزنه مرارا كثيرة غيرها.
فان قال قائل (3): فمن أين علمتم إن التي حاولت نقل الجرادة فعجزت هي التي أخبرت صواحباتها من الذر، وانها التي كانت على مقدمتهن قيل له لطول التجربة، ولأنا لم نر قط ذرة حاولت جر جرادة فعجزت عنها، ثم