في العقل بريئة من المادة، والمراد بتلقيه سبحانه ها هنا تلقى صفاته، لا تلقى ذاته تعالى، لان ذاته تعالى لا تتصورها العقول، وسيأتي ايضاح أن هذا مذهبه عليه السلام.
ثم قال (وتشهد له المرائي لا بمحاضرة)، المرائي جمع مرئي، وهو الشئ المدرك بالبصر، يقول المرئيات تشهد بوجود البارئ، لأنه لولا وجوده لما وجدت، ولو لم توجد لم تكن مرئيات، وهي شاهدة بوجوده لا كشهادتها بوجود الابصار، لأنها شهدت بوجود الابصار لحضورها فيها. واما شهادتها بوجود الباري فليست بهذه الطريق، بل بما ذكرناه.
والأولى أن يكون (المرائي) ها هنا جمع (مرآة) بفتح الميم، من قولهم هو حسن في مرآة عيني، يقول إن جنس الرؤية يشهد بوجود الباري من غير محاضرة منه للحواس.
قوله عليه السلام (لم تحط به الأوهام) إلى قوله عليه السلام (واليها حاكمها)، هذا الكلام دقيق ولطيف، والأوهام ها هنا هي العقول، يقول إنه سبحانه لم تحط به العقول، أي لم تتصور كنه ذاته، ولكنه تجلى للعقول بالعقول، وتجليه ها هنا هو كشف ما يمكن أن تصل إليه العقول من صفاته الإضافية والسلبية لا غير، وكشف ما يمكن أن تصل إليه العقول من اسرار مخلوقاته; فاما غير ذلك فلا; وذلك لان البحث النظري قد دل على انا لم نعلم منه سبحانه الا الإضافة والسلب، اما الإضافة فكقولنا عالم قادر، واما السلب فكقولنا ليس بجسم ولا عرض ولا يرى، فاما حقيقة الذات المقدسة المخصوصة من حيث هي هي، فان العقل لا يتصورها، وهذا مذهب الحكماء وبعض المتكلمين من أصحابنا ومن غيرهم.
ثم قال (وبالعقول امتنع من العقول)، أي وبالعقول وبالنظر; علمنا أنه تعالى يمتنع أن تدركه العقول.
ثم قال (والى العقول حكم العقول)، أي جعل العقول المدعية انها أحاطت