قلت إذا شاركه سبحانه بعض الموجودات في كونه موجودا، وافترقا في أن أحدهما لا يصح منه فعل الجسم، ولا الكون، ولا الحياة، ولا الوجود المحدث - ويصح ذلك من الموجودات القديمة - دل على افتراقهما في أمر لأجله صح من القديم ذلك، وتعذر ذلك على المحدث، وذلك الامر هو الذي يسمى من كان عليه قادرا، وينبغي أن تحمل لفظة (العجز) هاهنا على المفهوم اللغوي، وهو تعذر الايجاد، لا على المفهوم الكلامي.
واما الاستدلال الثاني، فينبغي أن يحمل الفناء ها هنا على المفهوم اللغوي، وهو تغير الصفات وزوالها، لا على المفهوم الكلامي، فيصير تقدير الكلام: لما كانت الأشياء التي بيننا تتغير وتتحول وتنتقل من حال إلى حال، وعلمنا أن العلة المصححة لذلك كونها محدثة، علمنا أنه سبحانه لا يصح عليه التنقل والتغير، لأنه ليس بمحدث.
ثم قال (واحد لا بعدد) لان وحدته ذاتية، وليست صفة زائدة عليه، وهذا من الأبحاث الدقيقة في علم الحكمة، وليس هذا الكتاب موضوعا لبسط القول في أمثاله.
ثم قال (دائم لا بأمد)، لأنه تعالى ليس بزماني وداخل تحت الحركة والزمان، وهذا أيضا من دقائق العلم الإلهي، والعرب دون أن تفهم هذا أو تنطق به، ولكن هذا الرجل كان ممنوحا من الله تعالى بالفيض المقدس والأنوار الربانية.
ثم قال (قائم لا بعمد)، لأنه لما كان في الشاهد كل قائم فله عماد يعتمد عليه أبان عليه السلام تنزيهه تعالى عن المكان، وعما يتوهمه الجهلاء من أنه مستقر على عرشه بهذه اللفظة ومعنى القائم ها هنا ليس ما يسبق إلى الذهن من أنه المنتصب بل ما تفهمه من قولك فلان قائم بتدبير البلد، وقائم بالقسط.
ثم قال (تتلقاه الأذهان لا بمشاعرة)، أي تتلقاه تلقيا عقليا، ليس كما يتلقى الجسم الجسم بمشاعره وحواسه وجوارحه، وذلك لان تعقل الأشياء و هو حصول صورها