قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله، أخبرونا على أي نوائب الاسلام أنفق هذا المال، وفى أي وجه وضعه فإنه ليس بجائز أن يخفى ذلك ويدرس حتى يفوت حفظه، وينسى ذكره، وأنتم فلم تقفوا على شئ أكثر من عتقه بزعمكم ست رقاب لعلها لا يبلغ ثمنها في ذلك العصر مائة درهم. وكيف يدعى له الانفاق الجليل، وقد باع من رسول الله صلى الله عليه وآله بعيرين عند خروجه إلى يثرب، واخذ منه الثمن في مثل تلك الحال، وروى ذلك جميع المحدثين، وقد رويتم أيضا انه كان حيث كان بالمدينة غنيا موسرا، ورويتم عن عائشة انها قالت هاجر أبو بكر وعنده عشرة آلاف درهم، وقلتم إن الله تعالى انزل فيه ﴿ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى﴾ (١)، قلتم هي في أبى بكر ومسطح بن أثاثة، فأين الفقر الذي زعمتم انه أنفق حتى تخلل بالعباءة ورويتم إن لله تعالى في سمائه ملائكة قد تخللوا بالعباءة وان النبي صلى الله عليه وآله رآهم ليلة الاسراء، فسال جبرائيل عنهم فقال هؤلاء ملائكة تأسوا بأبي بكر بن أبي قحافة صديقك في الأرض، فإنه سينفق عليك ماله، حتى يخلل عباءة في عنقه، وأنتم أيضا رويتم إن الله تعالى لما انزل آية النجوى، فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم﴾ (2)، الآية لم يعمل بها الا على ابن أبي طالب وحده، مع إقراركم بفقره وقلة ذات يده، وأبو بكر في الحال التي ذكرنا من السعة أمسك عن مناجاته، فعاتب الله المؤمنين في ذلك، فقال (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم)، فجعله سبحانه ذنبا يتوب عليهم منه، وهو إمساكهم عن تقديم الصدقة، فكيف سخت نفسه بإنفاق أربعين ألفا وامسك عن مناجاة الرسول، وإنما كان يحتاج فيها إلى اخراج درهمين.
واما ما ذكر من كثره عياله ونفقته عليهم، فليس في ذلك دليل على تفضيله، لان