فيهم بسيره الكفار، لأنه ما سباهم، ولا غنم أموالهم، ولا تبع موليهم قلنا احكام الكفر تختلف، وان شملهم اسم (الكفر)، لان في الكفار من يقتل ولا يستبقى، وفيهم من يؤخذ منه الجزية ولا يحل قتله الا بسبب طارئ غير الكفر، ومنهم من لا يجوز نكاحه على مذهب أكثر المسلمين، فعلى هذا يجوز أن يكون أكثر هؤلاء القوم كفارا، وإن لم يسر فيهم بجميع سيرة أهل الكفر، لأنا قد بينا اختلاف احكام الكفار، ويرجع في أن حكمهم مخالف لأحكام الكفار إلى فعله عليه السلام وسيرته فيهم. على انا لا نجد في الفساق من حكمه أن يقتل مقبلا، ولا يقتل موليا، ولا يجهز على جريحه، إلى غير ذلك من الاحكام التي سيرها في أهل البصرة وصفين.
فإذا قيل في جواب ذلك احكام الفسق مختلفة، وفعل أمير المؤمنين هو الحجة في أن حكم أهل البصرة وصفين ما فعله.
قلنا مثل ذلك حرفا بحرف، ويمكن مع تسليم أن الداعي لهؤلاء المخلفين أبو بكر، أن يقال ليس في الآية دلالة على مدح الداعي ولا على إمامته، لأنه قد يجوز أن يدعو إلى الحق والصواب من ليس عليهما، فيلزم ذلك الفعل من حيث كان واجبا في نفسه، لا لدعاء الداعي إليه، وأبو بكر إنما دعا إلى دفع أهل الردة عن الاسلام، وهذا يجب على المسلمين بلا دعاء داع، والطاعة فيه طاعة لله تعالى، فمن أين له أن الداعي كان على حق وصواب وليس في كون ما دعا إليه طاعة ما يدل على ذلك.
ويمكن أيضا أن يكون قوله تعالى (ستدعون)، إنما أراد به دعاء الله تعالى لهم بايجاب القتال عليهم، لأنه إذا دلهم على وجوب قتال المرتدين، ورفعهم عن بيضة الاسلام، فقد دعاهم إلى القتال، ووجبت عليهم الطاعة، ووجب لهم الثواب إن أطاعوا، وهذا أيضا تحتمله الآية.