وقد استدل قاضى القضاة أيضا عن صحه امامة أبى بكر; وأسند هذا الاستدلال إلى شيخنا أبى على بقوله تعالى
﴿سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم﴾ (١) وقال تعالى
﴿فان رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي ابدا ولن تقاتلوا معي عدوا انكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين﴾ (٢)، وقال تعالى)
﴿سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل﴾ (٣)، يعنى قوله تعالى (لن تخرجوا معي ابدا ولن
تقاتلوا معي عدوا) ثم قال سبحانه
﴿قل للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم أولي باس شديد تقاتلونهم أو يسلمون * فان تطيعوا يؤتكم الله اجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما﴾ (4)، فبين أن الذي يدعو هؤلاء المخلفين من الاعراب إلى
قتال قوم أولي باس شديد غير
النبي صلى الله عليه وآله، لأنه تعالى قد بين انهم لا يخرجون معه ولا يقاتلون معه عدوا، بآية متقدمة، ولم يدعهم بعد
النبي صلى الله عليه وآله إلى
قتال الكفار الا أبو بكر وعمر وعثمان، لان أهل التأويل لم يقولوا في هذه الآية غير وجهين من التأويل، فقال بعضهم عنى بقوله (ستدعون إلى قوم أولي باس شديد) بنى حنيفة، وقال بعضهم عنى فارس والروم، وأبو بكر هو الذي دعا إلى
قتال بنى حنيفة وقتال آل فارس والروم، ودعاهم بعده إلى
قتال فارس والروم عمر، فإذا كان الله تعالى قد بين انهم بطاعتهم لهما يؤتهم اجرا حسنا، وان تولوا عن طاعتهما يعذبهم عذابا أليما، صح انهما على حق، وأن طاعتهما طاعة لله تعالى وهذا يوجب صحة إمامتهما.