فهذه جملة ما ذكره المرتضى رحمه الله في هذا الموضع، وأكثره جيد لا اعتراض عليه، وقد كان يمكنه أن يقول لو سلمنا بكل هذا لكان ليس في قوله (لن تخرجوا معي ابدا) الآية ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله لا يكون هو الداعي لهم إلى القوم أولي الباس الشديد، لأنه ليس فيها الا محض الاخبار عنهم بأنهم لا يخرجون معه، ولا يقاتلون العدو معه، وليس في هذا ما ينفى كونه داعيا لهم، كما أنه عليه السلام قال (أبو لهب لا يؤمن بي)، لم يكن هذا القول نافيا لكونه يدعوه إلى الاسلام.
وقوله (فاقعدوا مع الخالفين) ليس بأمر على الحقيقة، وإنما هو تهديد كقوله ﴿اعملوا ما شئتم﴾ (1) ولا بد للمرتضى ولقاضي القضاة جميعا من أن يحملا صيغة (افعل) على هذا المحمل، لأنه ليس لأحدهما بمسوغ أن يحمل الامر على حقيقته، لان الشارع لا يأمر بالقعود وترك الجهاد مع القدرة عليه، وكونه قد تعين وجوبه.
فان قلت لو قدرنا أن هذه الآية، وهي قوله تعالى (قل للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم أولي باس شديد)، أنزلت بعد غزوة تبوك، وبعد نزول سورة (براءة)، التي تتضمن قوله تعالى (لن تخرجوا معي ابدا)، وقدرنا أن قوله تعالى (لن تخرجوا معي ابدا ليس) اخبارا محضا كما تأولته أنت وحملت الآية عليه، بل معناه لا أخرجكم معي ولا أشهدكم حرب العدو، هل كان يتم الاستدلال؟
قلت لا لان للامامية أن تقول يجوز أن يكون الداعي إلى حرب القوم أولي الباس الشديد مع تسليم هذه المقدمات كلها هو رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنه دعاهم إلى حرب الروم في سرية أسامة بن زيد في صفر من سنة إحدى عشرة، لما سيره إلى البلقاء، وقال له سر إلى الروم مقتل أبيك فأوطئهم الخيول وحشد معه أكثر المسلمين، فهذا الجيش قد دعى فيه المخلفون من الاعراب الذين قعدوا عن الجهاد