الشرح:
يجوز أن تسمى هذه الخطبة (القاصعة) من قولهم قصعت الناقة بجرتها، وهو أن تردها إلى جوفها، أو تخرجها من جوفها فتملأ فاها، فلما كانت الزواجر والمواعظ في هذه الخطبة مرددة من أولها إلى آخرها، شبهها بالناقة التي تقصع الجرة. ويجوز أن تسمى القاصعة لأنها كالقاتلة لإبليس واتباعه من أهل العصبية، من قولهم قصعت القملة، إذا هشمتها وقتلتها. ويجوز أن تسمى القاصعة لان المستمع لها المعتبر بها يذهب كبره ونخوته فيكون من قولهم قصع الماء عطشه، أي أذهبه وسكنه، قال ذو الرمة بيتا في هذا المعنى:
فانصاعت الحقب لم تقصع صرائرها وقد تشح فلا ري ولا هيم (1).
الصرائر جمع صريرة، وهي العطش، ويجوز أن تسمى القاصعة، لأنها تتضمن تحقير إبليس واتباعه وتصغيرهم، من قولهم قصعت الرجل إذا امتهنته وحقرته، وغلام مقصوع، أي قمئ لا يشب ولا يزداد.
والعصبية على قسمين عصبية في الله وهي محمودة، وعصبية في الباطل وهي مذمومة; وهي التي نهى أمير المؤمنين عليه السلام عنها، وكذلك الحمية وجاء في الخبر (العصبية في الله تورث الجنة، والعصبية في الشيطان تورث النار).
وجاء في الخبر (العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما قصمته); وهذا معنى قوله عليه السلام (اختارهما لنفسه دون خلقه...) إلى آخر قوله (من عباده).
قال عليه السلام (ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين) مع علمه بمضمراتهم; وذلك لان اختباره سبحانه ليس ليعلم، بل ليعلم غيره من خلقه طاعة من يطيع وعصيان من يعصى، وكذلك، قوله سبحانه (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع