تستقبلون في هذا الزي! وإنما شبعتم منذ سنتين، سرع ما ترت بكم (1) البطنة وتالله لو فعلتموها على رأس المائتين، لاستبدلت بكم غيركم!
فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنما هي يلامقة، وتحتها السلاح (2)، فقال: فنعم إذا!
قال أبو جعفر: فلما علم الروم مقدم عمر نفسه، سألوه الصلح، فصالحهم، وكتب لهم كتابا على أن يؤدوا الجزية ثم سار إلى بيت المقدس، فقصر فرسه عن المشي، فأتى ببرذون فركبه، فهزه وهملج تحته، فنزل عنه، وضرب وجهه بردائه، وقال: قبح الله من علمك هذا! ردوا على فرسي، فركبه وسار حتى انتهى إلى بيت المقدس.
قال: ولم يركب برذونا قبله ولا بعده، وقال: أعوذ بالله من الخيلاء!
قال أبو جعفر: ولقيه معاوية، وعليه ثياب ديباج، وحوله جماعة من الغلمان والخول، فدنا منه فقبل يده، فقال: ما هذا يا بن هند! وإنك لعلى هذه الحال: مترف صاحب لبوس وتنعم، وقد بلغني أن ذوي الحاجات يقفون ببابك! فقال: يا أمير المؤمنين، أما اللباس فإنا ببلاد عدو، ونحب أن يرى أثر نعمة الله علينا، وأما الحجاب فإنا نخاف من البذلة جرأة الرعية. فقال: ما سألتك عن شئ إلا تركتني منه في أضيق من الرواجب (3)، إن كنت صادقا فإنه رأى لبيب، وإن كنت كاذبا، فإنها خدعة أريب.
* * * وقد روى الناس كلام معاوية لعمر على وجه آخر، قيل لما قدم عمر الشام قدمها، وهو راكب حمارا قريبا من الأرض، ومعه عبد الرحمن بن عوف راكب حمار قريب أيضا، فتلقاهما معاوية في كوكبة خشناء (4)، فثنى وركه، ونزل وسلم بالخلافة فلم يرد عليه.