شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٩٩
تستقبلون في هذا الزي! وإنما شبعتم منذ سنتين، سرع ما ترت بكم (1) البطنة وتالله لو فعلتموها على رأس المائتين، لاستبدلت بكم غيركم!
فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنما هي يلامقة، وتحتها السلاح (2)، فقال: فنعم إذا!
قال أبو جعفر: فلما علم الروم مقدم عمر نفسه، سألوه الصلح، فصالحهم، وكتب لهم كتابا على أن يؤدوا الجزية ثم سار إلى بيت المقدس، فقصر فرسه عن المشي، فأتى ببرذون فركبه، فهزه وهملج تحته، فنزل عنه، وضرب وجهه بردائه، وقال: قبح الله من علمك هذا! ردوا على فرسي، فركبه وسار حتى انتهى إلى بيت المقدس.
قال: ولم يركب برذونا قبله ولا بعده، وقال: أعوذ بالله من الخيلاء!
قال أبو جعفر: ولقيه معاوية، وعليه ثياب ديباج، وحوله جماعة من الغلمان والخول، فدنا منه فقبل يده، فقال: ما هذا يا بن هند! وإنك لعلى هذه الحال: مترف صاحب لبوس وتنعم، وقد بلغني أن ذوي الحاجات يقفون ببابك! فقال: يا أمير المؤمنين، أما اللباس فإنا ببلاد عدو، ونحب أن يرى أثر نعمة الله علينا، وأما الحجاب فإنا نخاف من البذلة جرأة الرعية. فقال: ما سألتك عن شئ إلا تركتني منه في أضيق من الرواجب (3)، إن كنت صادقا فإنه رأى لبيب، وإن كنت كاذبا، فإنها خدعة أريب.
* * * وقد روى الناس كلام معاوية لعمر على وجه آخر، قيل لما قدم عمر الشام قدمها، وهو راكب حمارا قريبا من الأرض، ومعه عبد الرحمن بن عوف راكب حمار قريب أيضا، فتلقاهما معاوية في كوكبة خشناء (4)، فثنى وركه، ونزل وسلم بالخلافة فلم يرد عليه.

(1) التار: الممتلئ البدن، وفى الطبري: " ندت ".
(2) اليلمق: القباء المحشو وفى الطبري: " وإن علينا السلاح ".
(3) الرواجب: ما بين عقد الأصابع.
(4) خشناء، أي كثيرة السلاح.
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303