وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة ومع هذا فأخبر (صلى الله عليه وسلم) أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئا أصله على الإباحة وقصد به وجه الله تعالى يثاب عليه وذلك كالأكل بنية التقوى على طاقة الله تعالى والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطا والاستمتاع بزوجته وجاريته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام وليقضي حقها وليحصل ولدا صالحا وهذا معنى قوله (صلى الله عليه وسلم) وفي بضع أحدكم صدقة والله أعلم قوله (قلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله تعالى إلا ازددت به درجة ورفعة) فقال القاضي معناه أخلف بمكة بعد أصحابي فقاله إما إشفاقا من موته بمكة لكونه هاجر منها وتركها لله تعالى فخشي أن يقدح ذلك في هجرته أو في ثوابه عليها أو خشي بقاءه بمكة بعد انصراف النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه إلى المدينة وتخلفه عنهم بسبب المرض وكانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه لله تعالى ولهذا جاء في رواية أخرى أخلف عن هجرته قال القاضي قيل كان حكم الهجرة باقيا بعد الفتح لهذا الحديث وقيل إنما كان ذلك لمن كان هاجر قبل الفتح فأما من هاجر بعده فلا وأما قوله (صلى الله عليه وسلم) إنك لن تخلف فتعمل عملا فالمراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد جماعات من أصحابه وفي هذا الحديث فضيلة طول العمر للازدياد من العمل الصالح والحث على إرادة وجه الله تعالى بالأعمال والله تعالى أعلم قوله (صلى الله عليه وسلم) (ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون) وفي بعض النسخ ينتفع بزيادة التاء وهذا الحديث من المعجزات فإن سعدا رضي الله عنه عاش حتى فتح العراق وغيره وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم فإنه قتلوا وصاروا إلى جهنم وسبيت نساؤهم وأولادهم وغنمت أموالهم وديارهم وولى العراق فاهتدى
(٧٨)