الهزل [14800] 1 - البرقي، عن أبيه، عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رسالة إلى أصحاب الرأي والقياس: أما بعد، فإن من دعا غيره إلى دينه بالارتياء والمقاييس لم ينصف، ولم يصب حظه، لأن المدعو إلى ذلك أيضا لا يخلو من الارتياء والمقاييس، ومتى لم يكن بالداعي قوة في دعائه على المدعو لم يؤمن على الداعي أن يحتاج إلى المدعو بعد قليل، لأنا قد رأينا المتعلم الطالب ربما كان فائقا لمعلمه ولو بعد حين، ورأينا المعلم الداعي ربما احتاج في رأيه إلى رأي من يدعو، وفي ذلك تحير الجاهلون، وشك المرتابون، وظن الظانون، ولو كان ذلك عند الله جائزا لم يبعث الله الرسل بما فيه الفصل، ولم نيه عن الهزل، ولم يعب الجهل ولكن الناس لما سفهوا الحق، وغمطوا النعمة، واستغنوا بجهلهم وتدابيرهم عن علم الله، واكتفوا بذلك عن رسله والقوام بأمره، وقالوا: لا شيء إلا ما أدركته عقولنا وعرفته ألبابنا، فولاهم الله ما تولوا، وأهملهم وخذلهم حتى صاروا عبدة أنفسهم من حيث لا يعلمون، ولو كان الله رضي منهم اجتهادهم وارتياءهم فيما ادعوا من ذلك لم يبعث إليهم فاصلا لما بينهم، ولا زاجرا عن وصفهم، وإنما استدللنا أن رضا الله غير ذلك، ببعثه الرسل بالأمور القيمة الصحيحة، والتحذير من الأمور المشكلة المفسدة، ثم جعلهم أبوابه وصراطه والأدلاء عليه بأمور محجوبة عن الرأي والقياس، فمن طلب ما عند الله بقياس ورأي لم يزدد من الله إلا بعدا، ولم يبعث رسولا قط - وان طال عمره - قابلا من الناس خلاف ما جاء به، حتى يكون متبوعا مرة وتابعا أخرى، ولم
(٤٦)