إبليس: حبا وكرامة وواعده لغد فلما أصبح يحيى (عليه السلام) قعد في بيته ينتظر الموعد وأغلق عليه الباب إغلاقا فما شعر حتى ساواه من خوخة كانت في بيته فإذا وجهه صورة وجه القرد وجسده على صورة الخنزير وإذا عيناه مشقوقتان طولا وإذا أسنانه وفمه مشقوق طولا عظما واحدا بلا ذقن ولا لحية وله أربعة أيد يدان في صدره ويدان في منكبه وإذا عراقيبه قوادمه وأصابعه خلفه وعليه قباء وقد شد وسطه بمنطقة فيها خيوط معلقة بين أحمر وأصفر وأخضر وجميع الألوان وإذا بيده جرس عظيم وعلى رأسه بيضة وإذا في البيضة حديدة معلقة شبيهة بالكلاب فلما تأمله يحيى (عليه السلام) قال له:
ما هذه المنطقة التي في وسطك؟ فقال: هذه المجوسية أنا الذي سننتها وزينتها لهم فقال له: فما هذه الخيوط الألوان؟ قال له: هذه جميع أصباغ النساء لا تزال المرأة تصبغ الصبغ حتى تقع مع لونها فافتتن الناس بها فقال له: فما هذا الجرس الذي بيدك؟ قال هذا مجمع كل لذة من طنبور وبربط ومعزفة وطبل وناي وصرناي وان القوم ليجلسون على شرابهم فلا يستلذونه فأحرك الجرس فيما بينهم فإذا سمعوه استخفهم الطرب فمن بين من يرقص ومن بين من يفرقع أصابعه ومن بين يشق ثيابه، فقال له:
وأي الأشياء أقر لعينك؟ قال: النساء هن فخوخي ومصائدي فإني إذا اجتمعت على دعوات الصالحين ولعناتهم صرت إلى النساء فطابت نفسي بهن فقال له يحيى (عليه السلام): فما هذه البيضة التي على رأسك؟ قال: بها أتوقى دعوة المؤمنين، قال: فما هذه الحديدة التي أرى فيها؟ قال: بهذه أقلب قلوب الصالحين، قال يحيى (عليه السلام): فهل ظفرت بي ساعة قط؟ قال: لا ولكن فيك خصلة تعجبني، قال يحيى: فما هي؟ قال: أنت رجل أكول فإذا أفطرت أكلت وبشمت فيمنعك ذلك من بعض صلاتك وقيامك بالليل، قال يحيى (عليه السلام): فإني أعطي الله عهدا ألا أشبع من الطعام حتى ألقاه، قال له إبليس:
وأنا أعطي الله عهدا أني لا أنصح مسلما حتى ألقاه ثم خرج فما عاد إليه بعد ذلك (1).