والأمر بالصلاح والنهي عن الفواحش إلا بعد الإقرار بالله عز وجل ومعرفة الآمر والناهي فلو ترك الناس بغير إقرار بالله ولا معرفته لم يثبت أمر بصلاح ولا نهي عن فساد إذ لا آمر ولا ناهي.
ومنها: إنا وجدنا الخلق قد يفسدون بأمور باطنية مستورة عن الخلق فلولا الإقرار بالله عز وجل وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وإرادته يراقب أحدا في ترك معصية وانتهاك حرمة وارتكاب كبيرة إذا كان فعله ذلك مستورا عن الخلق غير مراقب لأحد وكان يكون في ذلك هلاك الخلق أجمعين فلم يكن قوام الخلق وصلاحهم إلا بالإقرار منهم بعليم خبير يعلم السر وأخفى آمر بالصلاح ناه عن الفساد ولا تخفى عليه خافية ليكون في ذلك انزجار لهم عما يخلون به من أنواع الفساد.
فإن قال فلم وجب عليهم الإقرار والمعرفة بأن الله تعالى واحد أحد؟ قيل: لعلل منها: انه لو لم يجب عليهم الإقرار والمعرفة لجاز أن يتوهموا مدبرين أو أكثر من ذلك وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره لأن كل إنسان منهم كان لا يدري لعله إنما يعبد غير الذي خلقه ويطيع غير الذي أمره فلا يكونون على حقيقة من صانعهم وخالقهم ولا يثبت عندهم أمر آمر ولا نهي ناه إذ لا يعرف الآمر بعينه ولا الناهي من غيره.
ومنها: ان لو جاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن يعبد ويطاع من الآخر وفي إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن لا يطاع الله وفي أن لا يطاع الله عز وجل الكفر بالله وبجميع كتبه ورسله وإثبات كل باطل وترك كل حق وتحليل كل حرام وتحريم كل حلال والدخول في كل معصية والخروج من كل طاعة وإباحة كل فساد وإبطال كل حق.
ومنها: إنه لو جاز أن يكون أكثر من واحد لجاز لإبليس أن يدعي أنه ذلك الآخر حتى يضاد الله تعالى في جميع حكمه ويصرف العباد إلى نفسه فيكون في ذلك أعظم الكفر وأشد النفاق.