[في حاشية البحار] هذه وما بعدها من الآداب الخليقية التي ينبغي رعايتها والمواظبة عليها في كل ملة ما لا تستلزم معاونة الظالم وتجريه على ظلمه، فلا تنافي ما ثبت في شريعة موسى (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام) كان مأمورا بتبعيتها من قانون القصاص والجزاء: كقوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص) وكذا لا يصح قول من ادعى أن ذلك منسوخ في شريعتنا، حيث إن الآداب الحسنة لا تنسخ أبدا، وذلك مما لا ريب فيه. والعجب من أمة يدعون أنهم من أمة عيسى (عليه السلام) ويسمون أنفسهم بالمسيحيين كيف لم يؤثر فيهم واحد من هذه الآداب الخلقية؟ بل أدبوا أنفسهم بنقيضها، أترونهم إذا أخذ قميص أحدهم يعطى رداءه أيضا؟! وإذا لطم خده يمكن خده الاخر؟! أو سخر ميلا يذهب ميلا آخر؟! أم ترونهم على خلاف ذلك؟ أليسوا هم الذين أخذوا رداء العز والسيادة والقادة من الأمم، وألبسوهم مكانه لباس الذل والقيادة؟ أليسوا سودوا وجوه العالمين بلطام الظلم والاستبداد؟ أليسوا قد سخروا العباد، وخربوا البلاد، وأشاعوا قوانين الظلم والفساد، وروجوا دساتير الفحشاء والمنكرات، وهددوا عائلة البشرية كل آن بالسلح النارية المهلكة؟! أعاذنا الله وجميع الأمم من شرورهم.
(11) - في موضع آخر: قال (عليه السلام): أقول لكم: لا تهتموا ماذا تأكلون، ولا ماذا تشربون، ولا لأجسادكم ما تلبس، أليس النفس أفضل من المأكل؟ والجسد أفضل من اللباس؟ انظروا إلى طيور السماء التي لا تزرع ولا تحصد ولا تحزن، وربكم السماوي بقوتها، أليس أنتم أفضل منهم؟ من منكم يهتم فيقدر أن يزيد على قامته ذراعا واحدة؟ فلماذا تهتمون باللباس؟
(12) - الخصال: ابن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال عيسى ابن مريم (عليه السلام):
الدينار داء الدين، والعالم طبيب الدين، فإذا رأيتم الطبيب يجر الداء إلى نفسه