وأما الأول: فباق مجاله حيث أن مناطه ليس على المخالفة لظاهر الآية، بل على أن إبراهيم بعد ما علم شرك آزر وعلم ان الله لا يخلف الميعاد كيف جعل ما بابيه خزيا له؟
ورابعا: أن الأقوال الأخيرة التي نقلها عن سعيد بن جبير وعبيد الله بن عمير لا يدل على أن المراد من التبري في الآية هو التبري في الآخرة، فإنهما اقتصرا على ذكر قصة إبراهيم من غير أن يفسر الآية بذلك.
وخامسا: أن هذه الأقوال والروايات بعينها مما يستشكل فيها الإسماعيلي وغيره، إذ هي مثل ما في البخاري ويرد عليها ما يرد عليه من طعن في حديث البخاري كيف لا يطعن عليها، وهل هذا الا مثل أن يجاب عن الاشكال بإعادة حديث البخاري.
سادسا: أنه لو حمل حديث التبري يوم القيامة اختل نظم الآية وفات ما هو المقصود المهم منها، إذ الغرض منها أن إبراهيم مع كونه أواها حليما موصوفا بشده الرقة والشفقة لما تبين له كفر أبيه تبرأ منه ولم يستغفر له والمؤمنون أولى بان لا يستغفروا للمشركين، ولهذا ذكر هذه الآية عقيب قوله: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) (1).
قال الرازي في تفسيره: في توصيف إبراهيم - عليه السلام - بالاواه والحليم ما لفظه: اعلم أنه تعالى انما وصفه بهذين الوصفين في هذا المقام لأنه تعالى وصفه بشدة الرقة والشفقة والخوف والوجل، ومن كان كذلك فإنه لعظيم رقته على أبيه