فلما انقضت أيامه، قام وليه علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وعلى آلهما هاديا، إذ كان هو المنذر ولكل قوم هاد، فقال والملا أمامه: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وقال: من كنت نبيه فعلي أميره، وقال: أنا وعلي من شجرة واحدة، وسائر الناس من شجر شتى، وأحله محل هارون من موسى، فقال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وزوجه ابنته سيدة نساء العالمين، وأحل له من مسجده ما حل له، وسد الأبواب إلا بابه، ثم أودعه علمه وحكمته، فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها، ثم قال: أنت أخي ووصيي ووارثي، لحمك لحمي ودمك دمي، وسلمك سلمي، وحربك حربي، والايمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأنت غدا على الحوض خليفتي، وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي وشيعتك على منابر من نور، مبيضة وجوههم حولي في الجنة، وهم جيراني ولولا أنت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي.
وكان بعده هدى من الضلال، ونورا من العمى، وحبل الله المتين، وصراطه المستقيم، لا يسبق بقرابة في رحم، ولا بسابقة في دين، ولا يلحق في منقبة يحذو حذو الرسول صلى الله عليهما وآلهما، ويقاتل على التأويل، ولا تأخذه في الله لومة لائم، قد وتر فيه صناديد العرب، وقتل أبطالهم، وناهش ذؤبانهم، فأودع قلوبهم أحقادا بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهن، فأضبت على عداوته، وأكبت على منابذته حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين.
ولما قضى نحبه، وقتله أشقى الآخرين، يتبع أشقى الأولين، لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في الهادين بعد الهادين، والأمة مصرة على مقته، مجتمعة على قطيعة رحمه، وإقصاء ولده إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم، فقتل من قتل، وسبي من سبي، واقصي من اقصي، وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة، وكانت الأرض لله، يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين