واضطرهما ذلك إلى التضاد والاختلاف والفساد، وكل ذلك معدوم، وإذا بطلت هذه الحال كذلك ثبت الوحدانية بكون التدبير واحدا، والخلق متفق غير متفاوت والنظام مستقيم.
وأبان سبحانه لأهل هذه المقالة ومن قاربهم أن الخلق لا يصلحون إلا بصانع واحد، فقال " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " (1) ثم نزه نفسه فقال " سبحان الله عما يصفون " والدليل على أن الصانع واحد، حكمة التدبير وبيان التقدير.
وأما الرد على الزنادقة فقوله تعالى: " ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون " (2) فأعلمنا تعالى أن الذي ذهب إليه الزنادقة من قولهم: إن العالم يتولد بدوران الفلك، ووقوع النطفة في الأرحام، لان عندهم أن النطفة إذا وقعت تلقاها الاشكال التي تشاكلها فيتولد حينئذ بدوران القدرة (3) والاشكال التي تتلقاها مرور الليل والنهار، والأغذية والأشربة والطبيعة، فتتربى وتنتقل وتكبر، فعكس تعالى قولهم بقوله " ومن نعمره ننكسه في الخلق " معناه أن من طال عمره وكبر سنه رجع إلى مثل ما كان عليه في حال صغره وطفوليته، فيستولي عليه عند ذلك النقصان في جميع آلاته، ويضعف في جميع حالاته، ولو كان الامر كما زعموا من أنه ليس للعباد خالق مختار، لوجب أن يكون تلك النسمة أو ذلك الانسان زائدا أبدا ما دامت الاشكال - التي ادعوا أن بها كان قوام ابتدائها - قائمة، والفلك ثابت، والغداء ممكن، ومرور الليل والنهار متصل.
ولما صح في العقول معنى قوله تعالى " ومن نعمره ننكسه في الخلق " وقوله سبحانه " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا " (4) علم أن هذا من تدبير الخالق المختار وحكمته ووحدانيته وابتداعه للخلق فتثبت وحدانيته