يكثر من مخاطبتي بأبي تراب، ومثل هذا كثير، وأما الآية التي نصفها منسوخ ونصفها متروك بحاله لم ينسخ، وما جاء من الرخصة بعد العزيمة قوله تعالى: " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنه خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم " (1) وذلك أن المسلمين كانوا ينكحون في أهل الكتاب من اليهود والنصارى وينكحونهم، حتى نزلت هذه الآية نهيا أن ينكح المسلم من المشرك أو ينكحونه.
ثم قال تعالى في سورة المائدة ما نسخ هذه الآية فقال: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " (2) فأطلق عز وجل مناكحتهن بعد أن كان نهى، وترك قوله: " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " على حاله لم ينسخه.
فأما الرخصة التي هي الاطلاق بعد النهي فان الله فرض الوضوء على عباده بالماء الطاهر، وكذا الغسل من الجنابة، فقال: " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " (3).
فالفريضة من الله عز وجل الغسل بالماء عند وجوده لا يجوز غيره، والرخصة فيه إذا لم يجد الماء التيمم بالتراب من الصعيد الطيب.
ومثله قوله عز وجل: " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين " (4) فالفرض أن يصلي الرجل الصلاة الفريضة على الأرض بركوع وسجود تام ثم رخص للخائف فقال سبحانه: " فان خفتم فرجالا أو ركبانا " (5).