المكتسب فإنه رب طلب قد جر إلى حرب، وليس كل طالب بناج وكل مجمل بمحتاج. وأكرم نفسك كل دنية، وإن ساقتك إلى رغبة، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا، وما خير خير لا ينال إلا بشر ويسر لا ينال إلا بعسر.
وإياك أن توجف بك مطايا الطمع، فتوردك مناهل الهلكة، وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك، وآخذ سهمك.
وإن اليسير من الله تبارك وتعالى أكثر وأعظم من الكثير من خلقه، وإن كان كل منه ولو نظرت - ولله المثل الاعلى - فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة لعرفت أن لك في يسير ما تصيب من الملوك افتخارا، وأن عليك في كثير ما تصيب من الدناة عارا. فاقتصد في أمرك تحمد. مغبة علمك (1) إنك لست بائعا شيئا من دينك وعرضك بثمن، والمغبون من غبن نصيبه من الله، فخذ من الدنيا ما أتاك واترك ما تولى، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب .
وإياك ومقارنة من رهبته على دينك وباعد السلطان ولا تأمن خدع الشيطان (2) وتقول: متى أرى ما أنكر نزعت، فإنه كذا هلك من كان قبلك من أهل القبلة وقد أيقنوا بالمعاد، فلو سمت بعضهم بيع آخرته بالدنيا لم يطب بذلك نفسا، ثم قد يتخيله الشيطان بخدعه ومكره حتى يورطه في هلكته بعرض من الدنيا حقير وينقله من شر إلى شر حتى يؤيسه من رحمة الله ويدخله في القنوط، فيجد الوجه إلى ما خالف الاسلام وأحكامه، فإن أبت نفسك إلا حب الدنيا وقرب السلطان فخالفت ما نهيتك عنه بما فيه رشدك، فأملك عليك لسانك فإنه لا بقية للملوك عند الغضب، ولا تسأل عن أخبارهم، ولا تنطق عند أسرارهم، ولا تدخل فيما بينك وبينهم.
وفي الصمت السلامة من الندامة، وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك