قال: فأخبرني ما جوهر الريح (1)؟ قال: الريح هواء إذا تحرك سمي ريحا فإذا سكن سمي هواء، وبه قوام الدنيا، ولو كف الريح ثلاثة أيام لفسد كل شئ على وجه الأرض ونتن، وذلك أن الريح بمنزلة المروحة تذب وتدفع الفساد عن كل شئ وتطيبه، فهي بمنزلة الروح إذا خرج من البدن نتن البدن وتغير، تبارك الله أحسن الخالقين.
قال: أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟ قال: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى فلا حس ولا محسوس، ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها، وذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق وذلك بين النفختين قال: وأنى له بالبعث والبدن قد بلي والأعضاء قد تفرقت: فعضو ببلدة تأكلها سباعها وعضو بأخرى تمزقه هوامها، وعضو قد صار ترابا بني به مع الطين حائط؟! قال:
إن الذي أنشأه من غير شئ وصوره على غير مثال كان سبق إليه قادر أن يعيده كما بدأه. قال: أوضح لي ذلك، قال: إن الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن في ضياء وفسحة، وروح المسيئ في ضيق وظلمة، والبدن يصير ترابا كما منه خلق، وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها مما أكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض ويعلم عدد الأشياء ووزنها، وإن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور، فتربو الأرض ثم تمخض مخض السقاء، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع تراب كل قالب فينقل بإذن [الله] القادر إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها، وتلج الروح فيها، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا. (2).
بيان: " من فروج النساء " أي الأجانب غير ذات البعولة، وظاهر الخبر أن الروح جسم لطيف، وأوله بعض القائلين بالتجرد بتأويلات ستأتي الإشارة إلى بعضها