وقال الرازي: قوله تعالى " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي " يدل على أن تخليق البشر لا يتم إلا بأمرين: التسوية أولا ثم نفخ الروح ثانيا، وهذا حق لان الانسان مركب من جسد ونفس، أما الجسد فإنه يتولد من المني، والمني إنما يتولد من دم الطمث، وهو إنما يتولد من الاخلاط، وهي إنما تتولد من الأركان الأربعة، فلا بد في حصول هذه التسوية من رعاية المدة التي في مثلها يحصل ذلك المزاج الذي لأجله يحصل الاستعداد لقبول النفس الناطقة. فأما النفس فإليها الإشارة بقوله " ونفخت فيه من روحي " ولما أضاف الروح إلى نفسه دل على أنه جوهر شريف علوي قدسي. وذهبت الحلولية إلى أن كلمة " من " تدل على التبعيض وهذا يوهم أن الروح جزء من أجزاء الله، وهذا في غاية الفساد، لان كل ماله جزء فهو مركب وممكن الوجود لذاته ومحدث. وأما كيفية نفخ الروح فاعلم أن الأقوى أن جوهر النفس عبارة عن أجرام شفافة نورانية علوية العنصر قدسية الجواهر وهي تسري في هذا البدن سريان الضوء في الهواء والنار في الفحم، فهذا القدر معلوم، أما كيفية ذلك النفخ فمما لا يعلمه إلا الله تعالى (1).
2 - قرب الإسناد: عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام: إن روح آدم عليه السلام لما أمرت أن تدخل فيه كرهته، فأمرها أن تدخل كرها وتخرج كرها (2).
بيان: لا يبعد أن يكون المعنى أن الروح لما كانت في عالم الملكوت وهي لا تناسب البدن، فلما خلقها الله خلقا تحتاج في تصرفها وأعمالها وترقياتها إلى البدن فكأنها تعلقت به كرها، فلما أنست به ونسيت ما كانت عليه صعبت عليها مفارقتها للبدن أو أنه لما كانت محتاجة إلى البدن ورأته ضائعة مختلة لا يمكنها إعمالها فيما تريد فارقته كرها.