كانت في آدم ثم هلم جرا إلى يومنا هذا في واحد بعد آخر، فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل على أن أحدهما خالق صاحبه؟ وقالوا: إن الملائكة من ولد آدم، كل من صار في أعلا درجة دينهم خرج من منزلة الامتحان والتصفية فهو ملك، فطورا تخالهم نصارى في أشياء، وطورا دهرية. يقولون: إن الأشياء على غير الحقيقة، فقد كان يجب عليهم أن لا يأكلوا شيئا من اللحمان، لان الدواب عندهم كلها من ولد آدم حولوا في صورهم، فلا يجوز أكل لحوم القربات (1)!
وساق الحديث الطويل إلى أن قال: أخبرني عن السراج إذا أنطفئ أين يذهب نوره؟ قال: يذهب فلا يعود. قال: فما أنكرت أن يكون الانسان مثل ذلك إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبدا إذا انطفأ؟
قال: لم تصب القياس، إن النار في الأجسام كامنة والأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد، فإذا ضرب أحدهما بالآخر سطعت (2) من بينهما نار يقتبس منها سراج له الضوء، فالنار ثابتة في أجسامها والضوء ذاهب، والروح جسم رقيق قد البس قالبا كثيفا وليس بمنزلة السراج الذي ذكرت إن الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف وركب فيه ضروبا مختلفة من عروق وعصب وأسنان وشعر وعظام وغير ذلك هو يحييه بعد موته ويعيده بعد فنائه. قال: فأين الروح؟ قال: في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث. قال: فمن صلب أين روحه؟ قال: في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الأرض.
قال: فأخبرني عن الروح أغير الدم؟ قال: نعم، الروح على ما وصفت لك مادته من الدم، ومن الدم رطوبة الجسم وصفاء اللون وحسن الصوت وكثرة الضحك فإذا جمد الدم فارق الروح البدن. قال: فهل يوصف بخفة وثقل ووزن؟ قال:
الروح بمنزلة الريح في الزق إذا نفخت فيه امتلأ الزق منها فلا يزيد في وزن الزق ولوجها فيه ولا ينقصها خروجها منه، كذلك الروح ليس لها ثقل ولا وزن.