في البدن بالنفخ فيه، لمناسبة الروح للريح ومجانسته إياه. واعلم أن الروح قد تطلق على النفس الناطقة التي تزعم الحكماء أنها مجردة، وهي محل العلوم و الكمالات، ومدبرة للبدن، وقد تطلق على الروح الحيواني وهو البخار اللطيف المنبعث من القلب الساري في جميع الجسد، وهذا الخبر وأمثاله يحتملهما وإن كانت بالأخيرة بعضها أنسب، وقيل: الروح وإن لم تكن في أصل جوهرها من هذا العالم، إلا أن لها مظاهر ومجالي في الجسد، وأول مظهر لها فيه بخار لطيف دخاني شبيه في لطافته واعتداله بالجرم السماوي، ويقال له " الروح الحيواني " وهو مستوى الروح الرباني الذي هو من عالم الامر ومركبه ومطية قواه، فعبر عليه السلام عن الروح بمظهره، تقريبا إلى الافهام، لأنها قاصرة عن فهم حقيقته كما أشير إليه بقوله تعالى " قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " و لان مظهره هذا هو المنفوخ دون أصله.
وقال البيضاوي: " فإذا سويته " عدلت خلقه وهيأته لنفخ الروح " ونفخت فيه من روحي " حتى جرى آثاره في تجاويف أعصابه (1) فحيى، وأصل النفخ إجراء الريح في تجويف جسم آخر، ولما كان الروح يتعلق أولا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب وتفيض عليه القوة الحيوانية فيسري حاملا لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن جعل تعلقه نفخا (2).
وقال النيسابوري: النفخ إجراء الريح في تجاويف جسم آخر، فمن زعم أن الروح جسم لطيف كالهواء سار في البدن فمعناه ظاهر، ومن قال: إنه جوهر مجرد غير متحيز ولا حال في متحيز فمعنى النفخ عنده تهيئة البدن لأجل تعلق النفس الناطقة به. قال جار الله: ليس ثم نفخ ولا منفوخ، وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيى به فيه ولا خلاف في أن الإضافة في قوله " روحي " للتشريف والتكريم مثل " ناقة الله " و " بيت الله ".