أهل النار: " لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير " (1) ومعلوم أن العقل في القلب والسمع منفذ إليه، وقال: " إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا " (2) ومعلوم أن السمع والبصر لا يستفاد منهما إلا ما يؤديانه إلى القلب، فكان السؤال عنهما في الحقيقة سؤالا عن القلب. وقال: " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (3) " ولم تخن الأعين إلا بما تضمر القلوب عند التحديق بها. ورابعها قوله: " وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة قليلا ما تشكرون " (4) فخص هذه الثلاثة بإلزام الحجة واستدعاء الشكر عليها، وقد قلنا لا طائل في السمع والابصار إلا بما يؤديانه إلى القلوب ليكون القلب هو القاضي والمتحكم عليه. وقال تعالى: " ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ " (5) فجعل هذه الثلاثة تمام ما ألزمهم من حجة، والمقصود من ذلك هو الفؤاد القاضي فيما يؤدي إلى السمع والبصر.
وأما الحديث فما روى النعمان بن بشير قال: سمعته صلى الله عليه وآله يقول: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.
وأما المعقول فوجوه: أحدها أن القلب إذا غشي عليه فلو قطع سائر الأعضاء لم يحصل الشعور به، وإذا أفاق القلب فإنه يشعر بجميع ما ينزل بالأعضاء من الآفات، فدل ذلك على أن الأعضاء تبع القلب، ولذلك فإن القلب إذا فرح أو حزن فإنه يتغير حال الأعضاء عند ذلك، وكذا القول في سائر الاعراض النفسانية.
وثانيها أن القلب منبع المشيئات الباعثة على الأفعال الصادرة من سائر الأعضاء وإذا كانت المشيئات مبادئ الأفعال ومنبعها هو القلب فالآمر المطلق هو القلب.